للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال المأمون: ينبغي أن يُكتبَ هذا الشِّعر بماء الذَّهب، وأَجازه وأعفاه.

ولمَّا دخل المأمونُ دمشقَ غنَّاه عَلُّويه بأبيات، وهي:] من الطويل]

برئتُ من الإِسلام إن كان ذا الَّذي … أَتاك به الواشون عنِّي كما قالوا

ولكنَّهم لمَّا رأوكِ غَرِيَّةً … بهجري تواصَوا بالنَّميمة واحتالوا

فقد صرتِ أُذْنًا للوُشاة سميعةً … ينالون من عِرضي ولو شئتِ ما نالوا

فقال المأمون: لمن هذا الشِّعر؟ فقال علُّويه: للقاضي الخَلنْجِي (١) -وكان على قضاء دمشق- فقال: عليَّ به، فقال: أَنشدني قولَك: برئتُ من الإِسلام، فخاف وقال: هذه قلتُها منذ أربعين سنة وأنا صبيّ، وواللهِ ما قلتُ شعرًا منذ عشرين سنةً إلَّا في زُهدٍ أو عتابِ صديق، فناوله كأسًا من نبيذ، فأُرعد وقال: واللهِ ما شربته قطّ، فقال المأمون: لو شربتَه لَضربتُ عُنقَك، وواللهِ لا أولِّي القضاءَ على المسلمين رجلًا بدأ في هَزله (٢) بالبراءة من الإسلام، وقال لعلُّويه: قل: حُرِمتُ مُنايَ منكِ إنْ كان ذا الَّذي. فغيَّره بأَرشقِ عبارة.

وقال حُميد بنُ عبدِ الحميد الطُّوسي: قال لي عليُّ بن جَبلة: امتدحتُ المأمونَ بأبيات، فأَحضرها، فدخلتُ بها على المأمون، فتأمَّلها وقال: خيِّره، إن شاءَ عفونا عنه وجعلنا ذلك ثوابًا لمديحه، وإنْ شاء جمعنا بين هذه وبين شِعره فيك وفي أبي دُلَف، فإنْ كان ما قال فيك وفيه أَجود، ضربناه ظهرًا لبطني وأَطلنا حبسَه، وإن كان ما قال فينا أَجود، أعطيناه عن كلِّ بيتٍ من مديحه ألفَ درهم، وإن شاء أَقلناه، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ومَن أنا ومَن أبو دُلَفٍ حتَّى يمدحَنا باجودَ من مدحك، فقال: ليس هذا الجواب، واعْرض عليه ما قلت، فأَعرضتُ (٣) عليه، فقال: الإِقالةُ أسلمُ لي، فاخبرت المأمون، فقال: هو أعلم.

ثم قلت لعليّ: [إلى] أيِّ شيءٍ ذَهَبَ (٤) في مدحك إياي ومدحِ أبي دُلَف؟ فقال: أمَّا


(١) هو عبد الله بن محمد، ابن أخت علويه المغني. انظر الأغاني ١١/ ٣٣٨ - ٣٤٠، والوافي بالوفيات ١٧/ ٤٤٣ - ٤٤٤. والبيتان الأولان في تاريخ الطبري ٨/ ٦٥٦ أيضًا.
(٢) في (خ): هواه.
(٣) كذا في (خ) و (ف). والصواب: فعرضت.
(٤) في (خ) و (ف): ذهبت، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٦٥٩، وما بين حاصرتين منه.