للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أين رميت نفسَك! إلى هَرِم بن سنانَ وحاتِمٍ الطائيِّ وهما سيِّدا العربِ وقد فعلا وفعلا! وأخذ يعدِّد أفعالهما، فقلت: أنا خيرٌ منهما، أنا رجل من العرب مسلم، وهما كانا كافرين. فسكت.

ودخل المأمونُ يومًا بيتَ الدِّيوان، فرأى غلامًا جميلًا، فقال: مَن أنت يا غلام؟ فقال: أنا الناشئُ في دونتك، المتقلِّب في نعمتك، المؤمِّل لخدمتك، الحسنُ بن رجاء. فقال المأمون: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ارفعوا هذا الغلامَ فوق مرتبته.

وقال سعيدُ بن سَلْم (١) بنِ قُتيبةَ له: يا أميرَ المؤمنين، لو لم أَشكر اللهَ إلَّا على حُسن ما أبلاني من قصدك إليَّ بحديثك وإشاريك إليَّ بطَرْفك، لَكان ذلك من أعظمِ ما توجبه النِّعمة، فقال له: واللهِ إنِّي لَأجد عندك من حُسْن الإِفهام إذا حدَّثت وحسن الاستماع إذا حُدِّثت ما لا أَجده عند غيرِك.

[وقال ابنُ أَكثم: كان رجلٌ يسبق الحاجَّ ليرتادَ لهم منزلًا، فخرج مرَّةً فأبطأ، فسبقه غيرُه وجاء في الأخير] فلمَّا عاد إلى بغداد، كتب رُقعةً إلى المأمون يسأله شيئًا وكتب فيها: العبدُ سابقُ الحاجّ، فنقط المأمونُ [نقطةً] أخرى إلى جانب الباء، فصار سايقًا؛ لأنَّه جاء في الأخير.

وقال ثُمامةُ [بنُ أشرس:] (٢) لما وَلي المأمونُ الخلافةَ قلتُ له: قد كان لي فيك أَملان، فبلغت أَحَدهما، فقال: ونبلِّغك الآخَر. فأما الأوَّل فأَشار [ثُمامة] إلى المال، و [أمَّا] الثاني [فأشار] إلى مُنادمة (٣) [المأمون] فرفعه المأمونُ وجعله من خواصِّه وسُمّاره.

وقال العُتْبي: دخل أبو علي المِنْقَريُّ على المأمون، وكان أُميًّا لُحَنة، فقال له: يا أبا عليّ، بلغني أنك لُحَنة، وأنَّك لا تقيم الشِّعر، وأنك أمِّيّ، فقال: أما اللَّحن فيسبقني لساني إليه، وأما الشِّعر والأمِّيَّةُ فقد كان سيِّدُ الأوَّلين والآخِرين كذلك، فقال له


(١) في (خ) و (ف): سلام، وهو خطأ، والمثبت من العقد الفريد ٢/ ١٣٢.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (خ) و (ف): المنادمة، والمثبت من (ب)، وما بين حاصرتين منه.