للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المأمون: سألتك عن عيوبٍ ثلاثةٍ فزدتَني عيبًا رابعًا، وهو الجهل، فإنَّ ذلك كان في رسول اللهِ فضيلة، وهو فيك وفي أمثالك نقيصةٌ ورذيلة، وإنَّما مُنع من ذلك لنفي الظِّنَّةِ عنه، لا لعيبٍ في الشِّعر والكتابة.

وقال ثُمامة: كُنْتُ جالسًا عند المأمونِ إذ دخل النَّوشَجان، وكان على بيت المال، فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد كَثُرت أسماءُ الغارمين، وليس في بيت مالِ الصَّدقات درهمٌ واحد، فقال له المأمون: وكيف لا تَكثُر وموسِرُ الناس لا يفتقد مُعْسِرَهم، وقويُّهم لا يراعي ضعيفَهم، وغنيُّهم لا يَحنو على فقيرهم! واللهِ لقد أدركتُ أيامَ أبي والمالُ فيها أقلُّ من هذه الأيَّام، وإنَّ فيها لمئةَ ألفِ يدٍ طويلةٍ في الخيرات، باذلةٍ للمعروف، مُراعيةِ الإخوان، واللهِ إني لأَحسب أنَّه خرج من يد أخي محمدٍ وأمِّه أمِّ جعفرٍ لمن قصدهما ما يزيد على ثلاث مئةِ ألفِ ألفِ دينار، ومنهم البرامكة، وأين مِثلُهم! كان معروفُهم يُشرق [تارةً] ويُغرِب أخرى، لا يَقصدون إلا تثميرَه وتوفيرَه، وكان لمن ذكرتُ بِطانة [ولكل بطانة] (١) بطانة، يقصد كلُّ واحدٍ منهم ما يفعله المتبوعُ من الصِّلات والعطايا، أَليس من انقلاب هذا الدَّهرِ وبوارِ هذا العالمِ أنْ ليس في سلطاني مَن يجود بدرهمٍ إلا مالكُ بن شاهي وعبدُ الله بنُ بشير! كيف بنا إذا جمع اللهُ الأوَّلين والآخِرين وحضر كلُّ إمامٍ وزُمرتُه في الموقف وتفاخر الأئمَّة بعضُهم على بعضٍ في الأفعال التي فعلوها! فبمن أُباهي! بابن شاهي أم بابن بشير!

ثم قال: أَحضِروا أساميَ الغارمين، فأَحضروها، فوقَع عليها بثلاث مئةِ ألف دينار، وقال: لا يتجاوز الضعفاءُ البصرةَ والموصل، وقال: أرجو أن أكونَ قد أدَّيتُ بعضَ ما أَوجبه اللهُ عليّ. قال ثُمامة: هذا وقد أحصيت عطايا مالِك بن شاهي وعبدِ الله بن بشيرٍ فكانت ستَّ مئةِ [ألفِ] (٢) دينار.

وقال المأمون: مَن أراد أن يكتبَ إلى رجلٍ كتابًا ولا يقفَ عليه سوى ذلك الرَّجل، فلْيكتبْه بلبن حليبٍ من ساعته ويبعثه إليه، فيحرق المكتوبُ إليه قِرطاسًا وَيذُرُّ عليه من رَماده، فيقرأ ما كتب به إليه، وهذه من الخواصّ.


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ف).