للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتصم أن يكاتبه بذلك، وبلغَ الأفشين، وكان يشدُّ الهمايين فيها الدنانير في أوساطِ أصحابه بقدر ما يحملُ الرَّجل، ويبعثُ بهم إلى أشروسنة، وعلم ابن طاهر فاجتاز يومًا جماعةٌ من أصحاب الأفشين، ففتَّشهم ابنُ طاهر، فوجدَ معهم الأموال، فقال: من أين لكم هذه الأموال؟ فقالوا: هذه للأفشين، فقال: كذبتم، لو أَرادَ أخي الأفشين أن يُرسِل بهذه الأموال لكتب إليَّ يخبرُني بها؟ لآمر ببذْرَقتها (١) إلى أشروسنة، وإنَّما أنتم لصوص، وأخذَ منهم المال، ففرَّقه في جنده، وكتبَ إلى الأفشين يذكرُ له ما قال القوم، ويقول: إنْ كان هذا المال ليس لك فقد أعطيتُه لجند أمير المُؤْمنين، وإن كان لك فأمير المُؤْمنين يعوِّضُك، فكتب إليه الأفشين: الأموال كلُّها لأمير المُؤْمنين، أطلق القومَ يمضوا في سبيلهم.

واستوحش كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه، وبلغ ابنَ طاهر أنَّ الأفشين يطمعُ في ولاية خراسان، فازدادت الوحشة، ووقع ابن طاهر بكتبِ الأفشين إلى المازيار، فبعثَ بها إلى المعتصم، وكان من عصيان منكجور بأذربيجان ما كان، فحقَّق المعتصم الأمر، وتيقَّن الأفشين ذلك، فعزم على الهرب إلى الزاب على أطواف (٢)، ويمضي من هناك إلى إرمينية وإلى الخزر، ثم إلى أشروسنة، فتعسَّر عليه، فهيَّأ طعامًا كثيرًا، وجعل فيه سمًّا، وعزم على أن يدعو المعتصمَ وقوَّاده، ويسمَّهم، فإن لم يجبه المعتصمُ دعا الأتراك مثل إيتاخ وأشناس وغيرهما فسمَّهم، وخرجَ أوَّل الليل بالأطواف على الدوابّ إلى الزاب، فيعبر عليها إلى إرمينية، وكانت ولايتها إليه، فإذا وصل إليها صارَ إلى بلاد الخزر، ثمَّ يدور منها إلى بلاد الترك، ويرجع من بلاد الترك إلى أشروسنة، ويحمل الخزر والتركَ على أهل الإسلام يشغلهم عنه.

وطال به الأمرُ، ولم يتهيَّأ له ذلك، وكان بعضُ خواصِّه قد اطَّلع على أمره، فجاء


(١) في (خ) و (ف): لامر يبدر فيها. ولعل المثبت هو الصواب. وعبارة الطبري في تاريخه ٩/ ١٠٤: لآمر بحراسته وبذرقته …
والبذرقة: الخفارة. القاموس المحيط (بذرق).
(٢) الطَّوف: قِرَبٌ يُنفخ فيها، ويُشدُّ بعضها إلى بعض، كهيئة السطح، يُركب عليها في الماء، ويحمل عليها، وتجمع على أطواف. انظر القاموس والمعجم الوسيط (طوف).