للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تمشي المنونُ إلى غيري فأكرهها … فكيف أسعَى إليها بارزَ الكتفِ

أم هل حسبتِ سوادَ الليل شجَّعني … أو أنَّ قلبيَ في جَنْبَي أبي دُلَفِ

فبلغ أَبا دُلَفٍ هذا الشعرُ فبعثَ إليه بأربعة آلاف دينار، جاءته على بغتة.

وقال الأصمعيُّ: دخلَ أبو دُلَفٍ يومًا على المأمون وقد نَصَلَ خصْابُه، وعنده جاريةٌ، فغمزَها عليه، فقالت له: شبتَ يَا أَبا دُلَف، واسترتجعَت، فأعرض عنها، فقال له المأمون: ألا تجيبُها، فأطرقَ ساعةً ثم رفعَ رأسه وقال: [من البسيط]

تَهزَّأت أن رأتْ شيبي فقلتُ لها … لا تهزئي من يَطُل عمرٌ به يَشبِ

شيبُ الرجال لهم زينٌ ومكرُمةٌ … وشيبكُنَّ لكنَّ العارُ فاكتئبِي

فينا لَكُنَّ وإن شيبٌ بدأ أربٌ (١) … وليس فيكنَّ بعد الشيبِ من أربِ (٢)

واجتمعَ الشعراءُ بباب أبي دُلَف، ولم يكن عنده مالٌ، فحجبَهم حياءً منهم، واعتذر إليهم، فكتبوا: [من الخفيف]

أيُّهذا العزيزُ قد مسَّنا الدَّهـ … ـر بضُرٍّ وأهلُنا أشتاتُ (٣)

وأبونا شيخٌ كبيرٌ فقيرٌ … ولدينا بضاعةٌ مُزجَاةُ

قلَّ طُلَّابها فبارَتْ علينا … وبضاعتُنا بها التُرَّهاتُ

فاغتنم شكرنَا وأوفِ لنا الكَيـ … ـلَ صدِّق (٤) فإنَّنا أمواتُ

فقال: أبوا أنْ يضربوا وجهي إلَّا بسورة يوسف، فدعا بهم وقال: والله ما معي درهم، وأنا معكم كما قيل: [من الوافر]

لقد أُخبرتُ أن عليك دينًا … فزد في رقم دينك واقضِ ديني

يَا غلام، اقترض لهم عشرين ألفًا بأربعين ألفًا، فأخذوها وانصرفوا (٥).


(١) في (خ) و (ف): وإن شبنا بذا الكرب. وهو تحريف.
(٢) العقد الفريد ٣/ ٥٢.
(٣) وقع في هذا البيت تصحيف في (خ) و (ف) ونصُّه:
أيها العزيز قد مسنا الضـ … ـر نحن جمع وأهلنا أشتات.
(٤) في (خ) و (ف): وتصدق. والمثبت من تاريخ دمشق ٥٨/ ٣٢٩.
وصدَّق عليه كتصدَّق. لسان العرب (صدق).
(٥) تاريخ بغداد ١٤/ ٤١٣، وتاريخ دمشق ٥٨/ ٣٢٩.