للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وحكى الفتح بن شَخْرف عن عمرَ ابن أخت بشر قال:] (١) سمعتُ خالي بشرًا يقول لأمي: جوفي وجعٌ، وخواصري تضربُ علي من الجوع، فقالت: ائذن لي أن أصلح لك حساءً من دقيق تتحسَّاهُ يَرُمُّ جوفَك، فقال: ويحك، أخافُ أن يقول لي: من أين لك هذا الدقيق؟ فلا أدري ما أقول، [قال:] فبكت أمِّي وبكى معها وبكيتُ معهما.

قال: ورأت أمِّي ليلةً ما به من شدَّةِ الجوع، وجعل يتنقسُ نفسًا ضعيفًا، فقالت له أمي: يا أخي، ليتَ أقَكَ لم تلدني، فقد والله تقطَّع كبدي ممَّا أرى بك، فقال لها: وأنا فليتَ أمَّكِ لم تلدني، وإذ قد ولدتني لم يَدِرَّ لها عليَّ ثدي. [قال عمر:] وكانت أمي تبكي عليه الليلَ والنهار (٢).

[وحكى الخطيب عن زُبدة أختِ بشر قالت:] (٣) دخل على بشرٌ ليلةً، فوضعَ إحدى رجليه داخل الدار والأخرى من خارج، فلم يزل كذلك إلى الصبح، فقلت له في ذلك، فقال: تفكَّرت في بشرٍ النصرانيّ، وبشر اليهوديّ، وبشر المجوسيّ، وفي اسمي، فقلت: ويحك! ما الذي سبق لكَ حتى خصَّك الله [بالإسلام]، فتفكَّرتُ في هذه السابقة والخاتمة، فحمدتُ الله حيث جعلني من خاصَّته، وألبسني لباس أحبائه (٤).

قال الخطيب: وكان يبكي حتى ذهبت أشفارُ عينيه من البكاء، ويقول: ليتَ لا يكون حظِّي من الله قول الناس: بشر بشر (٥).

[وحَكى في "المناقب" قال:] مرَّ يومًا على بعض الناس فقال: هذا رجلٌ لا ينامُ الليل، ولا يفطرُ إلَّا في كلِّ ثلاثة أيَّام مرَّة، فبكى بشر وقال: إنِّي لا أذكرُ أنِّي سهرتُ ليلةً كاملة، ولا صمتُ يومًا لم أفطر في ليلته، ولكنَّ الله يلقي في القلوب أكثرَ ممَّا يفعلُه العبدُ لطفًا منه وكرمًا (٦).


(١) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال عمر ابن أخت بشر …
(٢) صفة الصفوة ٩/ ٣٢٢ - ٣٣٠ وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (خ) و (ف): وقالت زبدة أخت بشر. والمثبت بين حاصرتين من (ب).
(٤) تاريخ بغداد ١٦/ ٦٢٥، وتاريخ دمشق ٣/ ٣٢٤ (مخطوط).
(٥) لم أقف عليه في تاريخ بغداد، وأورده ابن الجوزي في صفة الصفوة ٢/ ٣٣١ من رواية أحمد بن نصر عن بشر.
(٦) مناقب الأبرار ١/ ١٢٩ - ١٣٠.