للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا يحمل قول محمد بن كعب القُرَظيّ: إنَّ موسى لما رأى الجماعة عند يُوشَع أَحبَّ الموت، لا على وجه الحسد.

وأما قول موسى ليوشع: ماذا عهد إليك ربك؟ فإنه أراد أن يختبره هل بلغ منزلة يعقل فيها عن الله ويكون أهلًا لإيداع السرِّ فيه أم لا. فلما رآه قد بلغ إلى تلك الدرجة تمنَّى الموت.

وروى السُّدي عن أشياخه قال: بينما موسى وفتاه يوشع يمشيان إذ هبت ريح سوداء، فظنَّ يوشع أنها الساعة، فالتزم موسى وقال: يا نبي الله هذه الساعة، فانسلَّ موسى من تحت القميص فذهب، فلما جاء يُوشَع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا: قتلتَ نبيَّ الله، فقال: والله ما قَتَلْتُه ولكنه انسلَّ مني، فكذَّبوه وأرادوا قتله، وقالوا: أنت قتلته، فأوحى الله إليه لا تخفْ، فلما كان في تلك الليلة لم يبق ممن اتهم يوشع بقتل موسى إلا وأُتيَ في منامه فقيل له: إنَّ موسى رُفعَ ولم يقتله يُوشَع، فتركوه (١).

وذكر وهب بن منبه عن أشياخه قالوا: لما استخلف موسى يُوشَع بن نون جمع أهله، وعهد إليه بمرأى من الناس، وطاب قلبه باستخلافه لنهضته وأمانته- فإنه لم يكن في بني إسرائيل من يصلح للأمر سواه - وانفرد موسى في عريش يستظل به ويجمع السنبل فيأكل منه، وعليه جبَّة من صوف، فخرج يومًا من عريشه فمرَّ بقوم يحفرون قبرًا وكانوا ملائكة فعرفهم، واطلع فيه فأعجبه، ورأى فيه من الرَّوْح والخضرة والنضارة والبهجة ما حيَّره، فقال لهم: يا ملائكة الله لمن هذا القبر؟ فقالوا: لعبدٍ كريم على الله، فقال: إنَّ هذا العبد من ربه بمنزلة، ما رأيتُ مضجعًا كاليوم، فقالوا: يا صفيَّ الله أتحبّ أن تكون ذلك العبد؟ قال: ودِدْتُ ذلك، قالوا: فانزلْ فاضطجعْ فيه وتوجّه إلى ربِّك، ففعل، فقالوا: تنفَّس، فتنفَّس فمات، وسوَّت الملائكة عليه التراب (٢). قال وهْب: وصلى عليه جبريل وميكائيل.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٥٠.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٥٠، وتاريخ الطبري ١/ ٤٣٣ - ٤٣٤.