للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليَ قضاء نَيسَابور بضعَ عشرة سنة، وكان محمودَ السيرة نَزِهًا، عفيفًا ورعًا، يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقول: لولا هذا لم أتلبَّس بعمل، لكنني إذا لم ألِ القضاءَ لم أقدر على ذلك.

وكان يُحيي الليلَ، ويصومُ يوم الإثنين والخميس والجمعة، ولا يرضى من العُمَّال حتَّى يردُّوا (١) حقوقَ الناس.

دخل عليه يومًا أحمد بن حَرْب بن عطيَّة فوعظه، وأشار في مواعظه بأن يستعفيَ ممَّا هو فيه، فقال له: يا أبا عبد الله، ما يحملُني على ما أنا فيه إلَّا نصر الملهوفين، والقدرةُ على الانتصاف للمظلومين من الظالمين، لعلَّ الله تعالى قد عرفَ لي ذلك.

وقال محمد بن عبد الوهَّاب: قال لي نصر القاضي: يأبى الناس العدلَ، ألا تَرى أنَّ أبا بكر الصديق سُمَّ (٢) على العدل، وعمر قُتل على العدل، وكذا عثمان وعليّ ، وسُمَّ عمرُ بن عبد العزيز على العدل.

توفي بنَيسَابور في صفر لتسعٍ (٣) بقين منه وهو ابن ستٍّ وتسعين سنة.

سمع عبد الله بن المبارك وغيره، وروى عنه شريح الحاكم، وكان صدوقًا ثقةً، وكان المأمونُ يحبُّه ويكاتبُه دائمًا لا يقطعُ عنه كتبَه (٤).

* * *


(١) في المنتظم ١١/ ٢٤٧: يؤدوا.
(٢) هذا بناه على ما قيل من أنَّ اليهودَ سمَّت أبا بكر في أرزَّةٍ فمات بعد سنة. والأصح أنَّه مات غير مسموم. انظر تاريخ الإسلام ٢/ ٦٨، ٧١. والله أعلم.
(٣) في المنتظم ١١/ ٢٤٦: لسبع. وكذا في تاريخ الإسلام ٥/ ٩٤٨.
(٤) جاء بعدها في (خ) ما نصه: آخر الجزء الثامن، والحمد لله وحده، يتلوه الجزء التاسع، السنة السابعة والثلاثون بعد المئتين، إن شاء الله، غفر الله لكاتبه ولجميع المسلمين.