للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال [حاتم:] مررتُ براهبٍ في صومعة، فسألته عن مسألة، فقال: مكانَك، وأدخلَ رأسَهُ في صومعته، فلما كان بعد أسبوعٍ أخرجَ رأسَه وقال: أنت ها هنا؟ فقلت: نعم للموعد، فما الَّذي حبسَك عنِّي، قال: كنت على غير طريق (١)، فعرضَ لقلبي شيءٌ، فلم أزل أفكِّر (٢) فيه إلى اليوم، ثمَّ قال لي: من أين أنت؟ قلت: من بَلْخ، قال: فإلى من كنت تجلس؟ قلت: إلى شقيق البلخي، قال: فأيشٍ سمعتَه يقول؟ قلت: سمعتُه يقول: لو كانت السماءُ من نحاسٍ والأرضُ من حديد، فلا السماءُ تمطر، ولا الأرضُ تنبت، وكان عيالي ما بين الخافقين، لم أبالِ، فقال الراهب: لا تجلس إليه قلت: ولم؟ قال: لأنَّه يفكرُ فيما لم يكن كيفَ كان، لا تجالسه، فإنَّه فاسدُ الفكر.

[ذكر نبذة من كلامه:

حكى عنه أبو نعيم الأصفهاني قال:] سأله رجل، علام بنيتَ أمرك في التوكُّل؟ فقال: على أربع خصال؛ علمتُ أنَّ رزقي لا يأكلهُ غيري، فاطمأنَّت به نفسي، وعلمتُ أنَّ عملي لا يعملُه غيري، فأنا مشغولٌ به، وعلمتُ أنَّ الموتَ يأتيني بغتةً، فأنا أبادرُه، وعلمتُ أنِّي لا أخلو من عينِ الله حيث كنت، فأنَا أستحي منه (٣).

[قال:] ومرَّ به عصام بن يوسف الفقيه فقال [له:] يا حاتم، كيف تصلِّي؟ فقال: أقوم بالأمر، وأمشي بالسكينة (٤)، وأدخلُ بالنيَّة، وأكبِّرُ بالتعظيم، وأقرأ بالترتيل (٥)، وأركعُ بالخشوع، وأسجدُ بالخضوع، وأسلِّمُ بالسنَّة، وأمثِّلُ الجنَّة عن يميني، والنارَ عن شمالي، وأقول في نفسي: إنَّ الله حاضرٌ معي، وإنِّي لا أصلِّي صلاةً بعدها. فالتفتَ عصام إلى أصحابه وقال: قوموا بنا نعيدُ صلاتَنا، فما منا مَنْ يُصلِّي، أما أنتَ يا حاتم فتحسن [أن] تصلِّي.

[وحكى ابن باكويه الشيرازي عن حاتم قال:]


(١) في (خ): على طريق. وفي مناقب الأبرار ١/ ٢٤٦، والوافي بالوفيات ١١/ ٢٣٣: على غير طهر.
(٢) في (ف): أنكر.
(٣) حلية الأولياء ٨/ ٧٣، وما بين حاصرتين من (ب).
(٤) في (خ) و (ف): وأنثني بالسكينة، وفي حلية الأولياء ٨/ ٧٤: وأمشي بالخشية، وفي مناقب الأبرار ١/ ٢٤٣: وأقف بالخشية. والمثبت من (ب).
(٥) في (خ) و (ف): بالرسل. وهي غير واضحة في (ب)، والمثبت من الحلية، والمناقب.