للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: يا دمشق، إيش يحلُّ بك اليوم؟! فلمَّا أرادَ أن يضع رجله في الركاب، دارت إليه وضربته بالزوج على فؤاده، فوقعَ ميتًا من ساعته، وخاب سعيه، وصار مثلًا، وانصرفَ جيشُه إلى العراق خائفين من نهب الشاميين، وقُتِل المتوكلُ بعد ذلك بيسير.

وقال أبو الفرج الأصفهانيّ: لما أراد المتوكلُ الرجوعَ من الشام إلى العراق أحبَّ أن يجعلَ طريقَه على البريّة؛ لينظرَ إلى آثار بني أميَّة ومصانعهم، وقصور هشام بالرُّصَافة، فرأى ديرًا إلى جانب قصور هشام، فدخله، فإذا في أعلاه مكتوب: [من الطويل]

أيا منزلًا بالدير أصبحَ ثاويًا … تلاعبُ فيه شمألٌ ودَبورُ

كأنَّك لم يسكنكَ بيضٌ أوانسٌ … ولم يتبخترْ في فنائِكَ حُورُ

وحولك راياتٌ لهم وعساكرٌ … وخيلٌ لها بعد الصهيلِ شخيرُ

إذ العيش غضٌّ والخلافةُ لدنة … وأنتَ طريرٌ والزمانُ غَرِيرُ

وروضُك مرتاض ونورك نير … وعيشُ بني مروان فيك نضيرُ

بلى فسقاك الله صوب غمامة … عليك [لها] بعد الرَّواحِ بكورُ

تذكَّرتُ قومي خاليًا فبكيتُهم … بشجوٍ ومثلي بالبكاء جديرُ

وعزَّيتُ نفسي وهي نفسٌ إذا جرى … لها ذكرُ قومي أَنَّةٌ وزفيرُ

لعلَّ زمانًا جار يومًا عليهم … لهم بالذي تهوى النفوسُ يدورُ

فيفرحَ محزونٌ وَينْعَمَ بائسٌ … ويُطْلَقَ من رق الوَثَاق أسيرُ

رويدَك إنَّ اليوم يتبعُه غدٌ … وإنَّ سرورَ الدائرات (١) تدورُ

فبكى المتوكل بكاءً شديدًا (٢).

وقال الصولي: كان المتوكل مغرًى ببناء القصور، لم ينفق خليفة عليها مثل ما أنفق؛ بنى بسرَّ من رأى قصرًا غَرِم عليه ثلاثَ مئة ألف دينار، وبنى الجعفريّ، وغرم عليه مثل ذلك، وأمر الشعراء أن يمدحوه، فقال عليُّ بن الجهم: [من المتقارب]


(١) كذا في (خ) و (ف)، والخبر ليس في (ب). وفي البصائر والذخائر ٨/ ١٠٥، ومعجم ما استعجم ٢/ ٥٨١: صروف الدائرات.
(٢) في المصادر أن المتوكل لما قرأها ارتاع وتطير، ودعا صاحب الدير وسأله عن الرقعة، .. إلخ. وليس فيها أنه بكى.