للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتصم (١)، وكان المستعينُ حسنَ الوجه، أبيضَ اللون، ألثغ، بوجهه أثرُ جُدَريّ.

وسبب بيعته: لمَّا توفي المنتصرُ اجتمعَ الموالي في الهاروني، منهم بغا الكبير وبغا الصغير وأوتامش وتآمروا فيما بينهم، وذلك برأي أحمد بن الخصيب، فقال لهم أوتامش: متى ولَّيتُم أَحدًا من ولد المتوكل لا يبقي منَّا باقية، فقالوا: ما لها إلا أحمدُ بن المعتصم ابن مولانا، فقال لهم محمد بن موسى المنجِّم سرا: أتوتُون رجلًا عنده أنَّه أحقُّ بالخلافة من المتوكل، وأنتم دفعتموه عنها، وقد كان أحقَّ من المنتصر، فبأي عينٍ يراكم، وأيُّ قدرٍ يكون لكم عنده، ولكن اصطنعوا إنسانًا يَعْرِفُ لكم ذلك، فلم يَقبلوا منه، وأرسلوا إلى أحمد بن المعتصم، فأحضروه وبايعوه، ولقَّبوه المستعين بالله. وقيل: بل هو لقَّب نفسه؛ لأنَّهم لما بايعوه قال: استعنتُ بالله.

وقيل: إنَّ المنتصرَ توفي يوم السبت وقتَ العصر لأربعٍ خلونَ من شهر ربيع الآخر، فاجتمعَ الموالي في الهارونيّ يوم الأحد، وفيهم بغا الكبير والصغير وأوتامش، واستحلفوا قواد الأتراك والمغاربة وغيرهم -وكان الذي استحلَفهم عليُّ بن الحسين بن عبد الأعلى الإسكافيّ كاتبُ بُغَا الكبير- على أن يرضَوا بما رضي به بغا الصغير وأوتامش (٢)، وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب، فحلفوا، واتفقَ رأيُهم على المستعين دونَ أولاد المتوكِّل، وأحضروا بني هاشم وأحمد المستعين، فبايعوه وقتَ العشاء ليلة الإثنين لست خلونَ من ربيع الآخر، وهو ابنُ ثمانٍ وعشرين سنة، فاستكتبَ أحمد بن الخصيب، واستوزرَ أوتامش.

فلما كان يوم الإثنين صار إلى دار العامة، وقد ألبسوه الطويلةَ وثياب الخلافة، وحَملَ إبراهيمُ بن إسحاق بين يديه الحربة، ودخل دار العامَّة، وحضر أربابُ المراتب من ولد المتوكِّل والعباسيين والطالبيين وغيرهم، فبينما هم كذلك إذا جماعةٌ من الشاكرية وأخلاطٌ من الناس زعموا أنَّهم أصحابُ أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر، ومعهم الغوغاء والسُّوقَة في ألف رجل، فشهروا السلاح وصاحوا: المعتز يا


(١) انظر التعليق السابق.
(٢) في تاريخ الطبري ٩/ ٢٥٦: بما يرضى به بغا الصغير وبغا الكبيرُ أو تامش. وفي المنتظم ١٢/ ٦: … بغا الكبير وبغا الصغير.