للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر محمدٌ جاريتَه فيوسة (١) فغنَّت: [من الطويل]

ولستُ بناسٍ إذ غدَوا فتحمَّلوا … دُموعي على الخدَّين من شدَّةِ الوجدِ

وقَولي وقد سارت سُحَيرًا حُمُولهم … بأمِّ الثنايا لا تكن آخرَ العهدِ (٢)

فبكى ماني بكاءً شديدًا، ثم قال لمحمد: أتأذنُ لي يا سيدي؟ قال: نعم، فأطرقَ ساعةً ثمَّ رفع رأسَه وقال:

وعدتُ أناجي الفكرَ والدمعُ حائرٌ … بمقلةِ موقوفٍ على الضَّرِّ والجَهْدِ

ولم يعدُ هذا الأمر إلَّا بعزِّهِ … على ظلامٍ لجَّ في الهجرِ والبعدِ (٣)

فقال له محمَّد: أحسنتَ يا ماني، أعاشقٌ أنت؟ فخجل وقال: يا سيدي، أبعدَ الشيب صبوة، وإنَّما حرَّك الطربُ وجدًا كامنًا وشوقًا مبرِّحًا، ثم غنَت الجاريةُ شعر أبي العتاهية: [من الخفيف]

حجبوها عن الرياح لأنِّي … قلتُ للريحِ بلِّغيهَا السلاما

لو رَضُوا بالحجاب هانَ ولكن … منعوهَا يومَ الرياح الكلاما (٤)

فقال ماني: ما على قائل هذا الشعر لو زادَ فيه:

فتنفَّستُ ثمَّ قلتُ لقلبي (٥) … آهِ إن زار طيفُها إلماما (٦)

حيِّها بالسلامِ سرًّا وإلَّا … منعوهَا لشقوتي أنْ تناما


(١) في الأغاني ٢٣/ ١٨٤: مَنُوسة. وفي عقلاء المجانين ص ١٢٠: بنُّوسة. وفي مروج الذهب ٧/ ٣٨٧: مؤنسة.
(٢) رواية البيت كما في الأغاني وعقلاء المجانين والوافي بالوفيات:
وقولي وقد زالت بعيني حمولهم … بواكر تُحدى لا يكن آخر العهد
(٣) كذا وقع البيت في (خ) و (ف). وراويته كما في الأغاني ٢٣/ ١٨٤، وعقلاء المجانين ص ١٢٠، والوافي بالوفيات ٤/ ٣٤٨:
ولم يُعْدني هذا الأمير بعدله … على ظالمٍ قد لجَّ في الهجر والصدِّ
وهو الصواب.
(٤) ديوان أبي العتاهية ص ٦٣٧ (تكملة).
(٥) في المصادر: لطيفي.
(٦) رواية الشاطر الثاني كما في مروج الذهب ٧/ ٣٨١: آه إن زُرْتَ طيفها إلماما، وفي الأغاني ٢٣/ ١٨٥: ويك إن زرتَ. . . وفي عقلاء المجانين ص ١٢١، والوافي بالوفيات ٤/ ٣٤٨: ويك لو زرتَ. . .