للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: لا خير فيمن لم يتلقّ هفواتِ الإخوان بالعفو والغفران (١).

وقال المبرد: كتبَ إلى صديق له يعزيه بميِّت مات له:

أمَّا بعد، فإن الماضي قبلك (٢) هو الباقي لك، والباقي بعدك هو المأجورُ فيك، وفي الله العزاءُ من كلِّ هالك، وفيه الخَلَفُ من كل مصيبة، ومن لم يتعزَّ بعزاء الله تقطَّعت نفسُه على الدنيا حسرات، والصبرُ يعقبُه الأجر، والجزعُ يعقبُه الهلَع، فتمسَّك بحظِّكَ من الصبر، تنلْ به عظيمَ الأجر والثواب ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: ١٠].

وحكى الخطيبُ عنه أنَّه كان يقول: ما أكرهُ من الشيعةِ إلَّا الشين التي في أوَّل اسمهم، فإنِّي لا أجدُها إلا في كل شرٍّ، وشؤمٍ، وشيطانٍ، وشَغبٍ، وشقاءٍ، وشِقَاق، وشَينٍ، وشكوى (٣)، وشهرةٍ، وشحٍّ، وذكر كلَّ لفظةٍ في أوَّلها شِين (٤).

وكان قد فُلِجَ، فأتاهُ رسول المتوكِّل يطلبه، فقال: ما يصنع بشقٍّ مائل ولعابٍ سائل؟ (٥)

ذكر وفاته:

[روى الخطيبُ عن الصيمريِّ، عن المَرزُبانيِّ، عن الجرجاني، عن المبرِّد قال:] (٦) دخلتُ على الجاحظ في آخر أيَّامه وهو عليل، فقلت: كيف أنت؟ فقال: كيف يكونُ من نصفُه مفلوجٌ، فلو نشرَ بالمناشير ما أحسَّ به، ونصفُه الآخر مُنَقْرَسٌ، فلو طارت ذبابة بقربه (٧) لآلمته، والآفةُ في هذا كله أنِّي قد جاوزت (٨) تسعين سنة، ثم أنشد يقول: [من الوافر]

أترجو أن تكونَ وأنت شيخٌ … كما قد كنت أيَّام (٩) الشبابِ


(١) انظر العقد الفريد ٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٢) في (خ) و (ف) و (ب): ذلك. والمثبت من العقد الفريد ٤/ ٢٤٥.
(٣) في (ب): وشكوك.
(٤) الخبر في كتاب الحيوان للجاحظ ٣/ ٢٢ لكن من كلام شيخ إباضي جوابًا للجاحظ، لا من كلام الجاحظ.
(٥) تاريخ دمشق ٥٤/ ٣٥٩.
(٦) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): قال المبرد.
(٧) في (خ): به، وفي (ب): عليه، وليست في (ف). والمثبت من تاريخ بغداد ١٤/ ١٣٠.
(٨) في (ب): أنه قد جاوز.
(٩) في (ب): في زمن. بدل: أيام.