للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفرح بهذا، وإنَّما هذا تدبيرٌ علينا جميعًا، وإذا فَعَلَ بك اليوم شيئًا فَعَلَ بي غدًا مثله، فماذا ترى؟ فقال: أرى أن تصير إلى سامرَّاء وتخبره أنَّك في طاعته وناصره، فإنَّه يطمئنُّ إليك، ثم ندبِّرُ في قتله.

فسار إلى سامرَّاء ودخل على المهتدي، فغضب وقال: ألم آمرك تقتل موسى ومفلحًا، فداهنت في أمرهما؟! فقال: يا أمير المؤمنين، كيف كنتُ أقدرُ عليهما، وجيشُهما أعظمُ من جيشي، ولكنِّي قد قدمت بجيشي ومن أطاعني، لأنصرنَّك عليهما، وقد بقيا في عددٍ يسير، فأمرَ بأخذِ سلاحه، فقال: أذهب إلى منزلي وأعود، فليس مثلي من يفعل به هذا، فقال: أحتاجُ إلى مناظرتك، فأخذ سلاحَه وحبسه، ولما أبطأ خبرُه على أصحابه، قال لهم أحمد بن خاقان حاجبه: اطلبوا صاحبكم قبل أن يحدثَ به حدث، فجاشوا وأحاطوا بالجَوْسَق، فقال المهتدي لصالح بن علي بن يعقوب بن أبي جعفر المنصور: ما ترى؟ فقال: قد كان أبو مسلم أعظم شأنًا من هذا العبد، وأنت أشجع من المنصور، فاقتلهُ، فأمر بضربِ عنقه، فقُتِل، وألقي رأسُه إلى أصحابه، فجاشوا، وأرسل المهتدي إلى الفراغنة والمغاربة والأشروسنية، فجاؤوا، فاقتتلوا، فقتل من الأتراك أربعة آلاف، وقيل: ألفان، وقيل: ألف، وذلك يومَ السبت لثلاث عشرة خلت من رجب.

وحجز بينهم الليل وجاؤوا يوم الأحد، ومعهم أخو باكباك وحاجبه أحمد بن خاقان في زهاء عشرة آلاف، وخرج المهتدي ومعه صالح بن علي، والمصحف في عنقه، وهو يقول: أيُّها الناس، انصرُوا خليفتكم، وحمل عليهم طغوبا (١) أخو باكباك في خمس مئة رجل، فمالت الأتراكُ الذين مع المهتدي إلى طغوبا، والتحمَ القتال، فانهزم الذين كانوا مع المهتدي، وكثر فيهم القتل، ومضى المهتدي يركض منهزمًا، والسيف في يده مشهور، وهو ينادي: أيُّها الناس، انصروا خليفتكم، ولم يزل منهزمًا حتى وصل إلى دار [أبي] (٢) صالح بن محمد بن يزداد، فدخلَها، ورمى سلاحه، ولبس البياض ليعلوا دارًا فينزل إلى أخرى ويهرب، وجاء أحمد بن خاقان حاجب باكباك، فسأله عنه، فأخبر به، فتبعَه


(١) في تاريخ الطبري ٩/ ٤٥٨: طوغيتا. وفيه ٩/ ٤٦١: طغوينا. وفي تاريخ الإسلام ٧/ ١٣: طغويا.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ٤٥٨.