للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحيَّز الموفق إلى الأُبُلَّة، واجتمع إليه الفلولُ، فعادَ فنزل بنهر أبي الأسد (١).

وفيها أُسِرَ يحيى بنُ محمد البَحرَانيّ قائدُ الزَّنْج، بعث (٢) الموفَقُ جيشًا، فالتقاهم يحيى، فأسروه، وقتلُوا عامَّةَ أصحابه، وبعث به الموفق إلى المعتمد، فضربه مئة سوط (٣)، وشهره، ثمَّ ذبحَه وأحرقَه.

وفيها انحازَ أبو أحمد الموفَّق عن مقاتلة الزَّنج إلى واسط.

وسببه أنَّه لمَّا أقامَ بنهر أبي الأسد وقعَ في العسكر الوباء، فمرضَ منهم خلقٌ كثير، ومات جماعةٌ، وامتدَّ الوباءُ إلى العراق، ووقع ببغداد وسامرَّاء داءٌ عظيمٌ، يسمّونه القُفَّاع، فأتلفَ خلقًا كثيرًا (٤).

ورحل الموفَّقُ فنزلَ قريبًا من واسط، وأعطى الجندَ أرزاقهم، وأصلح السفنَ والمعابر، وشحنهم بالعساكر، وبعثهم إلى نهر أبي الخصيب، وكان الزنجُ به، وأقام هو موضعه في نفرٍ يسيرٍ قد أمرَهم أنْ لا يفارقوه، فلما نشبت الحرب مال أكثرُهم إلى نهر أبي الخصيب، فثبتَ الموفَّق موضعَه مخافَة أن يطمعَ فيه الزَّنج، وتفرَّقَ عنه أصحابه، وعرف الزَّنجُ ذلك، فقصدوه فثبتَ، ودخلَ أوائلُ أصحابه على أهل الزَّنج، وأحرقُوا منازلهم، واستنقذوا من النساء جمعًا، فلما رأى الموفَّق الغلبة، أمرَ أصحابَه بالرجوع إلى سفنهم (٥)، وتقطَّع بعضهم في الأدغال والمضايق، وخرجت عليهم الزنج فاقتتلوا، وثبتَ منهم طائفةٌ، فقُتِلوا، وانهزم أصحابُ الموفَّقِ إليه بعد قتل جماعةٍ منهم، وحُمِل إلى الخبيث مئةُ رأس، فزاد في غيِّه، ووقع في عسكر الموفَّقِ حريقٌ، فاحترقت الخيام، ورَحل أبو أحمد إلى واسط في رمضان، وتفرَّقَ عنه معظمُ أصحابِه (٦).


(١) انظر تاريخ الطبري ٩/ ٤٩٢ - ٤٩٥.
(٢) في (خ) و (ف): فبعث.
(٣) في تاريخ الطبري ٩/ ٤٩٨: مئتي سوط.
(٤) تاريخ الطبري ٩/ ٥٠١.
(٥) في تاريخ الطبري ٩/ ٥٠٠ أنه أتاه من جمع الزَّنج ما علم أنه لا يقاوم بمثل العدة اليسيرة التي كان فيها، فرأى أن الحزم محاجزتهم، فأمر أصحابه عند ذلك بالرجوع إلى السفن …
(٦) من بداية أحداث هذه السنة إلى هنا لم يرد في (ب).