للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القتال ويغادونهم.

واستعدَّ سليمان بنُ موسى الشَّعراني للقاء أبي العبَّاس، وفرَّق أصحابه ثلاثَ فرق في ثلاث نواحٍ، وجاؤوا بحدِّهم وحديدهم وفارِسِهم وراجِلِهم، فلقيهم أبو العبَّاس، فانهزموا وتفرَّقوا في كل موطن، ثمَّ ورد الخبر على أبي العبَّاس بأنَّهم على عزم كَبْس عسكرِه، وأنهم قد أقاموا كمينًا فيه عشرةُ آلاف، وساروا في السفن والبَرِّ، والتقاهم أبو العبَّاس، فمنحه الله أكتافهم، وانهزم سليمان والجبَّائي وحدهما راجِلَين، وغنم أبو العبَّاس الجميع، وكان سليمان قد حفر حفائرَ وجعل فيها سَفافِيد (١) الحديد قيامًا، وغشَّاها بالبَواري (٢) ليتهوَّر فيها الفرسان، وعلم أبو العبَّاس فاحترز.

ثمَّ كتب سليمان إلى صاحب الزَّنج يستمدُّه، فأمدَّه بأربعين سُميريَّة فيها أربعون مجذافًا (٣)، وفيها الرِّجال والعُدَد والسِّلاح، فأقاموا شهرين يقاتلونهم، فرتَّب أبو العباس أصحابَه وخواصَّه في السُّميريات، ونزل هو في سُميرية، والتقَوا، فقذف الله الرُّعب في قلوب الزَّنج فانهزموا، وأخذ منهم ثلاثين سُمَيرية، وانهزم الجبَّائيُّ في ثلاث سُمَيْريات، ورمى أبو العبَّاس بقوس حتَّى دَمِيت أصبعه، وانهزم الزَّنْج، وعاد أبو العبَّاس إلى معسكره، وخلع على أصحابه وقوَّاده الخِلَع والأطواق والأساور، وأمر أن تُصلَح السُّمَيريات المأخوذة من الزَّنج.

وأما قوَّاد الزَّنج فإنَّ سليمان بنَ جامع تحصَّن وعسْكَرَه في مكان يقال له: طَهيثا (٤)،

وتحصَّن الشعرانيُّ بمكانٍ يقال له: سوق الخميس، وجعلوا يخرِّبون ويحرِّقون ويحملون المِيرة والغلَّات، وواقعهم أصحابُ أبي العباس، وأخذوا جميعَ ما كان معهم قد حمل إليهم من الغلَّة والمِيرة، وقصد مكانًا يقال له: الصينيَّة، وكان بها منهم جمع كثير فغنمهم، وعاد إلى عسكره، فاستنقذ أبو العبَّاس يومئذٍ من النِّساء اللَّواتي كنَّ في أيدي الزَّنج خَلْقًا كثيرًا، فردَّهن إلى أهليهنَّ، وغنم ما جمع الزَّنج، ثمَّ عزم على


(١) السفافيد: جمع سفود، وهو حديدة ذات شُعَب معقَّفة."اللسان": (سفد).
(٢) قال الزبيدي في "تاج العروس" (بور): البواري: الحصير المنسوج، وفي "الصحاح": التي من القصب.
(٣) في (خ) و (ف): مقذافًا. والمثبت من "تاريخ الطبري" ٩/ ٥٦١.
(٤) انظر "تاريخ الطبري" ٩/ ٥٦٣.