للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودار مُلكك، ومتى صحَّ عنده هذا رجع عن مقاومة الخارجيِّ، فتغلَّب عدوُّك على دار ملكك، وهذا كتابُ أخيك يأمرني بردِّك. فقال: أنت غلامي أو غلامُ أخي؟ فقال: كلُّنا غِلمانك ما أطعتَ الله، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك علينا، وقد عصيتَ الله بما فعلتَ من خروجك، وتسليط عدوِّك عليك وعلى المسلمين.

ثمَّ خرج من المَضرب، ووكَّل به جماعة، ثمَّ بعث إلى المعتمد يطلب ابنَ خاقان وخطارمِش وتينك ليُناظرهم، فبعث بهم إليه، فقال لهم: ما جنى أحدٌ على الإسلام وعلى الخليفة ما جنيتُم، أخرجتموه من دار مُلكه في عدَّة يسيرة، وهارونُ الشَّاري بإزائكم في جمع كبير، فلو حضركم وأخذ الخليفة لكان عارًا وسُبَّة على الإسلام.

ثمَّ وكَّل بهم، وبعث إلى الخليفة يقول: ما هذا بمُقامٍ والشَّاري بإزائنا، فارجع. فقال الخليفة: فاحْلِف لي أنَّك تنحدر معي ولا تُسلمني، فحلف له، وانحدر إلى سُرَّ من رأى، فتلقَّاه صاعد بن مَخْلد كاتبُ الموفَّق، فسلَّمه إسحاق إليه، فأنزله في دار أحمد بن الخَصيب، ومنعه من نزول الجَوْسَق (١)، ووكَّل به قائدًا معه خمس مئة رجل يَمنعون من الدُّخول إليه.

وقيل: كان ابن طولون بمصر، وإسحاق بن كنداج عامل الموفَّق على الموصل والجزيرة، فبعث إليه الموفَّق مع صاعد بن مَخلد كاتبه بالقبض على المعتمد وعلى من معه، وردِّهم إلى سُرَّ من رأى، وكان المعتمد قد أقام بالكُحَيل يتصيَّد، ومعه من القوَّاد: أحمد بن خاقان وخطارمش وجماعة، فلمَّا وصلوا إلى الموصل أظهر إسحاق أنَّه مع المعتمد موافقٌ غيرُ مخالف، وكان مَن مع المعتمد قد حذَّروه إسحاق وقالوا: لا حاجةَ لنا إلى المرور به، فخالفهم وقال: هو غلامي، وفي الطَّريق إليه صَيد كثير.

وكان ابن طولون قد بعث قائدًا إلى الرَّقَّة أسيرًا في خدمة المعتمد، فلمَّا بقي بين المعتمد وبين عمَّال ابن طولون منزل؛ أمر برحيل الغِلمان والأثقال والأتباع، فخلا ابنُ كنداج بالقوَّاد الذين مع المعتمد، وقال لهم: إنَّكم إذا صرتم إلى ابن طولون فالأمر أمرُه، وأنتم تحت يده، أفترضَون بذلك، وإنَّما هو مثلُ واحد منكم؟


(١) الجوسق: الحصن. والقصر. "اللسان": (جسق).