للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم الثلاثاء وقد انضاف إليه خلقٌ كثير، فصار في خمسين ألفًا؛ يكبِّرون، ويهلِّلون، ويقرؤون القرآن، ويصلُّون على النبيِّ ، فلمَّا رأى الخبيث ذلك أبهره، وزال عقلُه، وزحف الجيشُ نحو الخبيث، فتلقَّاه بنفسه في جيشه، واشتبكت الحرب، وكَثُر القتل والجراح بين الفريقين.

وحامى (١) الزَّنج على المدينة الشَّرقية واستقتلوا، وحمل الموفَّق بنفسه وأبو العبَّاس والخواصُّ فهزموهم، وقتلوا منهم مَقْتلَةً عظيمة، وأسروا من شُجعانهم خلقًا كثيرًا، فضرب الموفَّق أعناقَهم، وقصد دار الخبيث وقد التجأ الخبيث إليها، وانتخب أنجادَ أصحابه، وكان فيها بقايا ما كان سَلِم للخبيث، فانتهب غلمانُ الموفَّق الجميع، وأخذوا حرمه وأولاده -وكانوا أكثر من مئة امرأة وصبيّ-، وهرب الخبيث على وجهه نحو دار المهلّبيّ لا يلوي على أحد ولا مال ولا أهل، وأُتي بأولاده ونسائه، فأمر الموفَّق بحملهم إلى الموفَّقيَّة، وأحسن إليهم، وأمر بإحراق دار الخبيث فأُحرِقَت بما فيها، واستنقذ خمس مئة امرأة من المسلمات اللَّاتي كنَّ عند الخبيث، فردَّهنَّ الموفَّق إلى أهاليهنَّ، وكان الخبيث قد جاءه منهنَّ أولاد.

وفي ذي الحجَّة ورد كتاب لؤلؤ مولى ابن طولون إلى الموفَّق يسأله القدومَ عليه؛ ليَشهَد حرب الخبيث، فأجابه إلى ذلك، وأقام ينتظر قدوم لؤلؤ ليُناجز الخبيث، فقدم لؤلؤ مدينة السَّلام في جمع عظيم من الفَراغِنة والأتراك والرُّوم والبَربر والسُّودان وغيرهم، فأقام ببغداد أيَّامًا، ثمَّ توجَّه إلى الموفَّق، فوافاه يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرَّم سنة سبعين ومئتين، وسنذكره هناك.

وبعث الموفَّق بعيالِ (٢) صاحب الزَّنج إلى بغداد.

وحجَّ بالنَّاس هارون بن محمد بن إسحاق الهاشميّ.

وفيها توفي

أحمد بنُ عبد الله

ابنِ القاسم، أبو بكر، الورَّاق الحافظ.

حدَّث [عن] عُبيد الله بن مُعاذ العَنْبريّ وغيره، وروى عنه أبو سعيد بن الأعرابيِّ وغيره.


(١) في (خ) و (ف): وحامل، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٤٧.
(٢) في (خ) و (ف): يغتال، والمثبت هو الصواب، انظر "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٥٢.