للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أيَّام المعتمد.

وقيل: إنَّه ولي الشَّام نيابةً عن باكباك [ثمَّ ولي باكباك مصر نيابة عنه]، فلمَّا قُتل باكباك استقلَّ، فكان حكمه من الفرات إلى المغرب.

و [قال الخطيب:] (١) ركب يومًا يتصيَّد بمصر، فغاصت قوائم فرسه في الرَّمل، فأمر بكشف ذلك الموضع فظفر بمَطْلبٍ فيه ألف ألف دينار (٢)، فأنفقها في أبواب البرِّ والصَّدقات.

وكان يتصدَّق في كلِّ يوم بمئة دينار غير ما كان عليه من الرَّواتب، وينفق على مطبخه كلَّ يوم ألف دينار، وكان راتبه على [الفقهاء، و] العلماء، وأهل القرآن، والأئمَّة، وأرباب البيوت في كلِّ شهر عشرة آلاف دينار.

وكان يبعث بالصَّدقات إلى دمشقَ، والعراق، والثُّغور، والجزيرة، وبغداد، وسرَّ من رأى، والكوفة، والبصرة، والحرمين، وغيرها، فحُسب ذلك فكان ألفي ألف دينار ومئتي ألف دينار.

وبنى الجامع المعروف بين مصر والقاهرة، وغَرم عليه أموالًا لا تحصى، قال أحمد الكاتب: أنفق عليه مئة ألف دينار وعشرين ألف دينار. [وقرأت في "تاريخ مصر" أنَّ ابن طولون لمَّا تمَّ بناءُ الجامع] قال له الصُّنَّاع: على أيِّ مثال نعمل المنارة -وما كان يَعبث قطّ- فأخذ درجًا من الكاغَد وجعل يعبث به، فخرج بعضُه وبقي بعضه في يده، فعجب الحاضرون، فقال: اصنعوا المنارةَ على هذا المثال، فصنعوها [وهي قائمة اليوم على ذلك] (٣).

ولمَّا تمَّ بناءُ الجامع رأى ابن طولون في منامه كأنَّ الله تعالى قد تجلَّى للقصور الَّتي حول الجامع، ولم يتجلَّ للجامع، فسأل المعبّرين فقالوا: يخرب (ما حوله) ويبقى [الجامع] قائمًا وحده، فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: من قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ


(١) ما سلف بين معكوفين من (ب)، ولم نقف على قول الخطيب في تاريخه، وذكره عنه السيوطي في "حسن المحاضرة" ٢/ ٢٤٧، وذكر ابن الجوزي في "المنتظم" ١٢/ ٢٣١ - ٢٣٢ هذه الأخبار دون نسبة لأحد.
(٢) في (ب): فظهر له كنز فيه ألف ألف دينار.
(٣) ما بين معكوفين من (ب)، وذكرها السيوطي في حسن المحاضرة ٢/ ٢٤٧ - ٢٤٨ نقلًا عن "مرآة الزمان".