للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طبيب اسمه سعيد بن نوفيل نصرانيّ، فقال له: ما الرَّأي؟ قال: لا تقرب الغداء اليوم وغدًا. -وكان جائعًا- فاستدعى خروفًا وفراريجَ فأكل منها، وكان به علَّة القيام فانقطع، فأخبر الطَّبيب، فقال: إنَّا لله ضعُفت القوَّة الدَّافعة بقهر الغِذَاء لها، فعاوده الإسهال، فخرج من أنطاكية في مِحَفَّة تحمله الرِّجال إلى الفَرْما، فضعف، فركب في البحر في قُبَّة إلى مصر، وقيل لطبيبه: أنت حاذق، فانظر كيف تكون؟ فقال: والله ما خِدْمتي له إلَّا خدمة الفأر للسِّنَّور، والسَّخلة للذِّئب، وإنَّ قتلي عنده أهونُ عليَّ من صحبته (١).

ولما دخل مصر استدعى الأطباء وفيهم الحسن بن زِيرك، وقال لهم: والله لئن لم يَنْجَع في تدبيرُكم لأضربنَّ أعناقكم قبل موتي، فخافوا منه، وما كان يحتمي، ويخالفهم.

ولمَّا اشتدَّ مرضه خرج المسلمون بالمصاحف، واليهود والنَّصارى بالتَّوراة والإنجيل، والمعلِّمون بالصِّبيان إلى الصَّحراء، ودَعَوْا له، ولَزِم (٢) المسلمون المساجد يختمون الختمات، ويَدعون له، فلمَّا أَيِس من نفسه رفع يديه إلى السَّماء، وقال: يا ربّ، ارحم مَن جهِل مقدارَ نفسه، وأبطره حلمُك عنه، ثمَّ تشهَّد ومات بمصر يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من ذي القَعدة في هذه السنة -وقيل: في التي قبلها- وعمره خمسون سنة، و [كانت] ولايته سبعة عشر سنة.

[ذكر ما رُئيَ له من المنامات:]

قال أبو عيسى اللؤلؤي: رآه بعض أصحابه في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: ما البلاء إلَّا على مَن ظلَم مَن لا ناصر له إلا الله تعالى.

ورآه بعض المتزهِّدين في حال حسنةٍ، فقال [له]: كيف أنت؟ فقال: لا ينبغي لمن سكن الدُّنيا أن يَحتقر حَسَنةً فيدعَها، ولا سيِّئة فيرتكبَها، عُدل بي عن النَّار إلى الجنَّة بتثبُّتي عن مُتَظَلِّم عَييّ اللِّسان، شديد التهيُّب، فسمعتُ منه، وصبرتُ عليه حتَّى قامت حجَّتُه، [و] تقدَّمتُ بإنصافه، وما في الآخرة على رؤساء الدُّنيا أشدّ من الحِجابِ لِمُلتَمِسي الإنصاف.


(١) في (ب): وإن قتلي لأهون من صحبتي له.
(٢) في (خ) و (ف): ونزل، والمثبت من (ب).