للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه فعرفوه، فترجَّل وترجَّل أبو العبَّاس والخواصُّ وخرُّوا لله سُجَّدًا، وأكثروا الشُّكر والثَّناء على الله تعالى، وأمر الموفَّق برفع رأس الخبيث على قناة طويلة ليَعرفه النَّاس، فكثر التَّحميد لله، وارتفعت الأصواتُ بذلك.

وذكر أنَّ أصحاب الموفَّق لمَّا أحاطوا به، ولم يبق معه من أصحابه إلَّا المهلَّبيُّ؛ ولَّى هاربًا وأسلم نفسَه، فقذف نفسه في النَّهر الذي يُعرف (١) بنهر الأمير، فقتلوه، وجاؤوا برأسه إلى الموفَّق، فعاد الموفَّق فنزل في الشَّذا، ورأسُ الخبيث على قناة بين يديه، وسليمان بن جامع والهمداني مصلوبان على دِفْل (٢) بأيديهما، وكان أنكلاي قد لجأ إلى الآجام والدَّغَل، فجيء به، وحُبس هو وأصحابُ أبيه.

وهرب قِرطاس الذي رمى الموفَّقَ بالسَّهم إلى رامَهُرْمز، فعرفه رجل كان رآه في عسكر الخبيث، فدلَّ عليه عاملَ البلد، فأخذه وبعث به إلى الموفَّق، فسأله أبو العبَّاس أن يُوليه قتلَه، ففعل، فقام إليه فقتله.

وبعث الموفَّق برأس الخبيث مع ولده أبي العبَّاس إلى بغداد، فدخل وهو على قناة بين يديه، وكبَّر الناس، وضُربت القباب، وزُيِّنت المدينة، وأكثر النَّاس من الدُّعاء للموفَّق وولدِه، وكان يومًا عظيمًا لم يُرَ في الإسلام مثلُه، وكتب الموفَّق إلى الآفاق برجوع النَّاس إلى أوطانهم: البصرةِ، والأُبُلَّة، والأهواز، وواسط، وكُوَر دجلة، وغيرِها، وطابت قلوب النَّاس ورجعوا، وأحسن الموفَّق إليهم، وولَّى قضاءَ البصرة محمدَ بن حمَّاد، وأقام هو بالموفَّقية حتى تراجع النَّاس.

فكان خروج الموفَّق يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمسٍ وخمسين ومئتين، وقيل: يوم السَّبت، أو ليلة السَّبت، لليلتين خلتا من صفر سنةَ سبعين ومئتين، وكانت مدَّةُ إقامته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرةَ أيَّام (٣).

وقال الصُّولي: قتل من المسلمين ألفُ ألف وخمسُ مئة ألفٍ ما بين شيخ وشابٍّ


(١) بعدها في (خ): نفسه؟.
(٢) هو نوع من الشجر المرّ كما في "اللسان": (دفل).
(٣) كذا في (خ) و (ف). والذي في "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٦٣، و"الكامل" ٧/ ٤٠٥: وكان خروج صاحب الزَّنج، بدل: الموفق … وقتل يوم السبت، بدل: وقيل يوم السبت.