للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر توبته ]

قال علماء السير: ولما أقام على تلك الحالة أربعين يومًا جاءه النداء: يا داود، أجائع فتُطعَم، أو عطشان فتُسقَى، أو مظلوم فتُنصَر، ولم يجبه في خطيئته بشيء، فصاح صيحةً هاج ما حوله ثم قال: يا رب، الذنب الذي أصيتُه. فنودي ارفع رأسك فقد غُفِرَ لك، فلم يرفعه حياء حتى جاء جبريل فرفعه (١).

وروى قتادة عن الحسن والثعلبي عن كعب الأحبار ووهب بن منبه قالوا: لما قال الله تعالى لداود: ارفع رأسك فقد غفرت لك قال: يا رب، وكيف وأنت لا تظلم أحدًا؟ قال: اذهب إلى قبر أوريا فنادِهِ وأنا أُسْمِعُهُ نداءك فتحلَّلْ منه، فانطلق داود حتى أتى قبره وقد لبس المسوحَ فناداه يا أوريا، فقال: لبيك من هذا الذي قطع عليَّ لذتي وأيقظني من رقدتي؟ قال: أنا داود، قال: نبيُّ الله؟ قال: نعم. قال: وما الذي جاء بك؟ قال: أسألك أن تجعلني في حِلِّ مما كان مني إليك، قال: ما هو؟ قال: عرَّضتك للقتل؟ قال: عرَّضتني للخير، أنت في حلِّ من دمي. فأوحى الله إليه: يا داود، ألم تعلم أني حَكَمٌ عدل لا أقضي بالتغرير، هلا أخبرته بأنك تزوجت بزوجته؟ فرجع فناداه فقال: من أنت؟ فقال: داود، قال: أوليس قد جعلتك في حل من دمي؟ قال: بلى ولكن إنما بعثتك للغزاة لمكان امرأتك مني وإني قد تزوجتها، فسكت ولم يجبه، فناداه مرارًا ولم يجبه، فقام داود وحثا التراب على رأسه، ونادى بالويل والثبور، ثم بكى بكاء شديدًا، فناداه منادٍ من السماء: يا داود، قد رحمنا بكاءَك وتضرعك وقد غفرنا لك ذنبك. فقال: يا رب، وكيف لي بأوريا؟ فقال الله تعالى: أعطيه يوم القيامة ما لم تر عيناه ولم تسمع أذناه، فيقول: يا ربِّ، من أين في هذا ولم يبلغه عملي؟ فأقول: هذا عوضٌ من أجل عبدي داود وأستوهبك منه فيهبك في. فقال: يا رب الآن علمتُ أنك قد غفرت في (٢). قال الحسن فذلك معنى قوله تعالى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ [ص: ٢٥] يعني الذنب ﴿وَإِنَّ لَهُ﴾ بعد المغفرة ﴿عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ أي قربة ومنزلة ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥]


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٤٨٣. و "عرائس المجالس" ص ٢٨٦.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٦ - ٢٨٧. و"التوابين" ص ٤٦.