للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال ابن أبي الدنيا:] وبويع بالخلافة صبيحةَ يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب حين مات المعتمد، وهو ابن سبعٍ أو ستٍّ وثلاثين سنة، فولَّى بدرًا غلامَه الشُّرطةَ، وعبيدَ الله بن سليمان الوزارة، ومحمدَ بن الشَّاة الحرس، وحُجُبه الخاصَّة والعامَّة صالحًا المعروف بالأمين، فاستخلف صالح جعفرًا السَّمرقندي، وسكنت الفتن، وصَلحت الدُّنيا، وارتفعت الحروب، ورخصت الأسعار، ومال إليه كلُّ مخالف، ودانت له الأمور، وتهيَّأت له الأسباب، وانفتح له الشَّرقُ والغرب، وأسقط المُكوس من البلاد، ورفع المَظالم، وسار في النَّاس أحسنَ سيرة.

وكان يُعدُّ من رجالات بني العبَّاس، وكان أمرُ الخلافة قد ضعف، وبيوت الأموال قد فَرغت، فدبَّر وساس الملك حتَّى استقامت أمور الخلافة، وامتلأت بيوت الأموال، فقال عبد الله بن المعتزّ: [من المديد]

يا أمير المؤمنين المرجَّى … قد أقرَّ الله فيك العُيُونا

ودعينا لك ببيعة حقٍّ (١) … فسَعَينا نحوها مُسرعينا

بنفوسٍ أمَّلتْك زمانًا … سبقتْ أيديَنا (٢) طائعينا

أنت أقْرَرْتَ حَشا كلِّ نفسٍ … وفرشْتَ الأمنَ في الخائفينا

[وذكره الصُّولي في كتاب "الأوراق" قال:] وكان يسمَّى السَّفَّاح الثاني؛ لأنَّه جدَّد مُلك بني العبَّاس بعد إخلاقه، وفي ذلك يقول عليُّ بن العبَّاس الرُّوميّ (٣): [من الطويل]

هنيئًا بني العبَاس أنَّ إمامَكم … إمامُ الهدى والبأسِ والجودِ أحمدُ

كما بأبي العباس أُنشئ مُلككُم … كذا بأبي العبَّاس أيضًا يُجدَّدُ

وكان يقتل الأسد وحده لشجاعته.

[وقال المسعوديُّ في "مروج الذهب" (٤): ومع هذا] كان شَحيحًا، ينظر فيما لا ينظر فيه أقلُّ النَّاس، وكان إذا غضب على قائد عذَّبه بأنواع العذاب [وسنذكره في ترجمته].


(١) في (خ) و (ف): ودعينا أباك بيعة حق. والمثبت من الديوان ٣٨٠.
(٢) في (خ) و (ف): أيدٍ لنا. والمثبت من الديوان، و"المنتظم" ١٢/ ٣٠٧.
(٣) ديوانه ٢/ ٦٦٠.
(٤) ٨/ ١١٤ - ١١٥.