للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مضى الأميرُ أبو الجيش الكريمُ فقد … مضى النَّدى والشَّذى والجودُ والكرمُ

فكادت الأرضُ إعظامًا لمقتله … تَنْهَدُّ والشَّامخاتُ الشُّمُّ تَنْهَدِمُ

قال المصنِّف ﵀: وهذا أحمد بن سعيد الطَّائي ذكر له [لحافظ] ابن عساكر في "تاريخه" حكايتين؛ الأولى: قال أحمد بن سعيد الطَّائي: حدثنا أبو العبَّاس بن قهيدة، عن عمرو بن الحسن قال: رأيتُ إبليس في منامي راكبًا على كَرْكَدن يسوقه بأفعى، فقال: يا عمرو بن الحسن، ما حاجتك؟ فدفعت إليه رقعة، فوقّع فيها: [من السريع]

ألم ترَ القاضي وأعوانَهُ … ما يفعلُ اللهُ بأهلِ القُرى

بلى ولكن ليس من شُغله … إلَّا إذا استعلى أذلَّ الوَرَى

فليتَ أنِّي متُّ فيمن مضى … ولم أعشْ حتَّى أرى ما أرى

وكلُّ ذي خَفْضٍ وذي نِعمةٍ … لا بدَّ أن يَعلو عليه الثَّرى

ثم كتب: الحسد صيَّرني إلى ما ترى، وغشُّ بني آدم [ينفق عليهم]، ثمَّ ضرب كركدنه بالأفعى ومضى.

والحكاية الثانية عن [أبي] سليمان بن زَبْر قال: اجتمعتُ أنا وعشرةٌ من المشايخ في جامع دمشق فيهم أبو بكر أحمد بن سعيد الطَّائي، نقرأ فضائل عليِّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فوثب إلينا نحوٌ من مئة رجل، وضربونا، وسحبونا إلى الخضراء إلى الوالي، فقال لهم أبو بكر الطَّائي: ياسادة، اسمعوا، إنَّما قرأنا اليوم فضائل عليّ، وغدًا أقرأ لكم فضائل أمير المؤمنين معاوية، وقد حَضَرتْني أبيات، فإن رأيتم أن تسمعوها، فقالوا: هات، فقال على البَدِيه: [من السريع]

حبُّ عليٍّ كلُّه ضَرْبُ … يَرْجُفُ من خِيفته القَلْبُ

ومَذهبي حبُّ إمام الهدى … يزيدَ والدِّينُ هو النَّصْبُ

مَن غَيرَ هذا قال فهو امرؤ … ليس له عقلٌ ولا لُبّ

والنَّاسُ مَن يَنْقَدْ لأهوائهم … يسلمْ وإلَّا فالقَفا نَهْبُ

قال: فخلّوا عنَّا، فقال الطَّائي: والله لا سكنتُ بلدًا يجري علينا فيها ما قد جرى، وخرج من وقته فأقام بحمص (١).


(١) مختصر تاريخ دمشق ٣/ ٨٨ - ٨٩، وتاريخ الإسلام ٧/ ٣٨٢، وما بين معكوفين منهما، وقال الذهبي: بَقيَ الطائيُّ هذا إلى سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.