للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربَّما حدَّثتُ رجلًا فيُعرض عنِّي، وأحبُّ أن أعرف ذلك لأقطع حديثي عنه، فقال أحمد بن أبي دؤاد: أمَّا مَن كافأك بابتداء السَّلام فقد كافأتَه بحُسن النِّيَّة، وأمَّا مَن أعرض عن حديثك فما أكسبَ نفسَه من سوء الأدب أكثر ممَّا وصلت إليه من حُسن استماعه (١).

وحضر أبو العيناء مجلسَ بعض الوزراء، فوصف جودَ البرامكة، فقال الوزير: هذا من كَذِب الورَّاقين، فقال أبو العيناء: فلِمَ لا يكذب الورَّاقون عليك؟!

ودخل [أبو العيناء] على المتوكِّل سنة ست وأربعين ومئتين وهو في قصره الجَعفريّ، فقال له: كيف ترى هذا القصر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، النَّاس يبنون القصور في الدُّنيا، وأنت قد بنيت الدُّنيا في قصرك.

وقال له يومًا: ما تقول في عبيد الله بن خاقان؟ فقال: نِعْمَ العبد إنَّه أوّاب، وكان عبيد الله قائمًا على رأس المتوكِّل (٢).

ذكر وفاته:

[واختلفوا فيها، فحكى الخطيب أنَّه] قدم بغداد فأقام بها مدَّة طويلة، ثمَّ ركب في زَورق يريد البصرة، فيه ثمانون نفسًا، فغرق الزَّورق بمَن فيه، فلم يَسلم إلَّا أبو العيناء، فأُخرج حيًّا، فركب في زورق آخر، فلمَّا وصل إلى البصرة مات بها في هذه السَّنة.

و [حكى الخطيب أيضًا عن القاضي أحمد بن كامل] قال: مات [أبو العيناء] ببغداد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين [ومئتين] وحُمل إلى البصرة في تابوت، وقد جاوز تسعين سنة (٣).

أسند الحديثَ عن أبي عاصم النَّبيل [وأبي زيد الأنصاريِّ] وغيرهما، وأخذ الأدب عن الأصمعي وغيره، ولمَّا قدم بغداد كتب عنه أهلُها، ولم يسند من الحديث إلَّا القليل، والغالبُ على رواياته الأخبارُ والحكايات.

* * *


(١) في تاريخ بغداد: أكثر مما وصل إليك من سوء اجتماعه.
(٢) مروج الذهب ٨/ ١٢٢ - ١٢٣، ووفيات الأعيان ٤/ ٣٤٣.
(٣) تاريخ بغداد ٤/ ٢٩٤ - ٢٩٥، وما بين معكوفين من (ف) و (م ١).