للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"الجوعُ فلا،، ولكِن الموت، فماتَ منهم سبعُونَ ألفًا، فهمسِي الذي ترون أني أقول: اللهَم بِكَ أُقاتِلُ، وبِكَ أُصَاوِلُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ" (١).

[فصل في حوادث قضى بها داود فاستدرك عليه سليمان منها قصة الزرع والغنم]

حدثنا أبو عبد الله محمد بن البناء الصوفي البغدادي بإسناده إلى أبي الفضل ابن خيرون وأبي طاهر الباقلاوي قالا بإسنادهما عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٨] أي: رعت ليلًا بغير راع، قال: تقدَّم رجلان إلى داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا سلط غنمه على حرثي فلم تُبْقِ منه شيئًا، فقال داود: اذهب فلك رقابُ الغنم، فقضى داود بذلك، فمرَّ صاحب الغنم على سليمان وهو صغيرٌ ابن إحدى عشرة سنة فقصَّ عليه القصة، فدخل عليه وقال: يا أبت، إنَّ القضاء غير ما قضيت به، قال: وكيف؟ قال: أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بها طول العام فيأخذ أولادها وأصوافها وألبانها، وتدفع الأرض إلى صاحب الغنم فينتفع بها طول العام، فإذا انقضى الحول دفعت - أو رددت- إلى هذا غنمه وإلى هذا أرضه، فقال داود: أصبتَ الحكم والقضاءَ. قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ (٢).

وقال قتادة: لم يكن بين ثمن الحرث وثمن الغنم تفاوت فلهذا قضى به داود.

وقال ابن مسعود وشريح: إنه كان كرمًا قد نبتت عناقيده (٣).

وقال الفراء: النَّفْشُ أن ترعى الغنم ليلًا والحمل نهارًا والكل بغير راع.

﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨] أي: لا يخفى علينا من أمرهم.

فإن قيل: فهما اثنان، فلم جمع بقوله: "لحكمهم"؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: ما ذكرنا أن الاثنين جمع، وبه قال أبو يوسف.


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٨٩٣٧)، وجاء بعدها في (ب): فصل في وفاة داود ﵇.
(٢) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ٤٨٦ - ٤٨٧. وانظر "عرائس المجالس" ص ٢٩١.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٩١.