للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الزهريّ: كلاهما حكم بالاجتهاد وإنما لسليمان فطنة.

وقال ابن سيرين: كان قضاؤهما بطريق الاجتهاد، ولم يكن نصًّا، لأنه لو كان نصًّا لم يختلفا فيه.

وقال الحسن البصري: لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكن الله أثنى على سليمان لصوابه وعلى داود لاجتهاده (١).

ومنها: ما رواه مجاهد قال: شهد أَربعة على امرأة بالزنى فرجمها داود، وبلغ سليمان، وكان ابن سبع سنين، فقال: عليَّ بالشهود، فجيء بهم فسألهم سليمان متفرقين فاختلفت أقوالهم، وبلغ داود فأمر بقتلهم.

[فصل في وفاة داود ﵇]

قال أحمد بن حنبل بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كَانَ في داودَ غيرةٌ شدِيدةٌ، وكَانَ إذا خَرَجَ مِن دَارِه أَغلَقَ الأبوابَ، فلم يدخُل على أهلِهِ أَحدٌ حتى يَرجِعَ، فَخَرجَ ذاتَ يَوم وقد أَغلَقَ الأبوابَ، فأقبَلت امرأتُه تَطَّلعُ في الدَّارِ، فإذا رجلٌ قائم وسَطَ الدَّارِ، فقالت لمن معها في الدَّارِ: من أين دَخلَ هذا الرجلُ والأبوابُ مُغلقةٌ؟ واللهِ لَنُفتَضَحَنَّ مع دَاودَ. وجاء دَاودُ فوجَدَ الرَّجلَ قائمًا فقالَ: من أنت؟ قال: من لا يَهابُ الملوكَ ولا يمتنِعُ منه الحُجَّابُ، قال: فأنتَ إِذن مَلَكُ الموتِ، قال: نعم، قال: مرحَبًا بأمرِ اللهِ، فزمَّلَ مكانَهُ حتى قبضَهُ، فقال سُليمانُ للطَّيرِ: أظلِّي على دَاودَ، فأظلَّتْ عليه حتى أظلمَت الدُّنيا، فقال لها سليمان: اقبِضِي جَناحًا جَناحًا"- قال أبو هريرة: يُرينا رسول الله ﷺ كيف فعلت الطير، وقبضَ رسولُ اللهِ ﷺ يده- وغَلَبتْ عليه يومئذ المَضْرَحِيَّة (٢).

فقال الفراء: هي النسور الحمر.

وقال الجوهري: المَضْرَحيُّ، بالضاد المعجمة والحاء المهملة، الصقر الطويل الجناح" (٣).


(١) انظر "زاد المسير" ٥/ ٣٧٢. والآية المقصودة: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: ٧٩].
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٩٤٣٢). وفيه المصرحية بالصاد المهملة، وشرح عليه السندي فقال: اسم فاعل من التصريح غلبت عليه صفة التصريح والإيضاح في البيان حتى يوضح المرام بالكلام ويستعين عليه بالإشارة باليد. اهـ. والله أعلم.
(٣) "الصحاح": (ضرح).