للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل:]

وفيها وافت هديَّة عمرو بن اللَّيث الصَّفَار من نَيسابور إلى بغداد في جمادى الآخرة، وهي أربعة آلاف ألف درهم، وعشرة من الدَّوابّ بسروجها ولُجُمها محلَّاة بالذَّهب، وخمسون دابة بجلالٍ مشهَّرة، وكسوة، وطِيب، وبُزاة وغير ذلك، وكان المعتضد غائبًا عن بغداد.

وفيها ظفر إسماعيل بن أحمد بعمرو بن اللَّيث الصَّفَّار، وكانوا قد التَقَوا على بَلْخ فاقتتلوا، وكان أهلُ بَلْخ قد ملُّوا عَمْرًا وأصحابَه، وضجروا من نزول أصحابه (١) في دورهم، والتَّضييق عليهم، وأخذِهِ لأموالهم، وتعرُّضِ أصحابه لحريمهم، فلمَّا التَقَوا حمل عليهم إسماعيل، فانهزم عمرو إلى بَلْخٍ فوجد أبوابها مُغلقة، فصاح: أنا عمرو، ففتحوا له، ولم يكن معه إلا اليسير، فوثب عليه أهلُ بَلْخ فأوثقوه، وحملوه إلى إسماعيل، فلمَّا دخل عليه قام [له] إسماعيل، واعتنقه، وقبَّل ما بين عينيه، وغَسَلَ وَجْهَه من الغبار، وخلع عليه، وقال: عزَّ علي ما أصابك، وحلف له أنَّه لا يُؤذيه ولا يُسْلمه.

وقيل: إنَّ إسماعيل كان من وراء النَّهر، فسأل عمرو بن الليث [الصَّفَّار، المعتضدَ أن يولِّيه أعمال إسماعيل، فولَّاه، وبعث إليه بالتَّقليد واللِّواء، فعزم على محاربة إسماعيل [بن أحمد]، فكتب إسماعيل إلى عمرو: إنَّك قد ولِّيت خراسان والدُّنيا، وإنَّما في يدي ما وراء النَّهر، وأنا في ثَغْر، فاقنع بما في يدك، ودَعْني مُقيمًا بهذا الثَّغر، فأبى عمرو، وقيل له: بين يديك جَيْحون كيف تعبره؟ فقال: لو شئتُ أن أسكره بِبِدَرِ الأموال لفعلتُ حتَّى أعبره، وبلغ إسماعيل فقال: أنا أَعبُر إليه.

فجمع الدَّهاقين وغيرهم وجاوز النَّهر إلى الجانب الغربي، وجاء عمرو فنزل بَلْخ، وأخذ عليه إسماعيل الطُّرق [فصار] كالمحاصَر، وندم عمرو على ما فعل، وطلب المُحَاجَزة فلم يُجِبْه إسماعيل، واقتتلوا يسيرًا فانهزم عمرو، وتبعه أصحاب إسماعيل، فوَحِلتْ دابَّتُه (٢)، فهرب أصحابه، فأُخذ أسيرًا، وحُمل إلى إسماعيل.

وبلغ المعتضد فخلع على إسماعيل خِلَع السَّلْطنة، وقال: يُقَلد أبو إبراهيم كلّ ما


(١) في (خ): من نزولهم، والمثبت من (ف) و (م ١)، وهو الموافق لما في المنتظم ١٢/ ٤٠١.
(٢) في (ف) و (م ١): فدخلت دابته في درعه. وما بين معكوفين منها.