للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنَّ ما فعلنا معك ونفعلُه إنَّما هو دون ما تستحقّه، ودون مالكَ من أنفسنا، فأظهِرْ كتابَنا هذا لمن بحضرتك من الخاص والعامّ؛ تعريفًا لهم بهذا الإنعام، والسلام.

وقال الصُّولي: لما مات المعتضد تحرَّك الجند ببغداد قبل قدوم المكتفي من الرَّقَّة، فوضع القاسم الوزير فيهم العطاء فسكنوا، وأخذوا البيعة للمكتفي وسنُّه يومئذ خمس وعشرون سنة.

وخرج المكتفي من الرَّقَّة يوم الجمعة بعد الصَّلاة، وجدَّ في السَّير، فتلقَّاه القاسم بالأنبار ومعه الناس، ووافى بغداد يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الأولى، ومرَّ بدجلة في سُماريّة، وهو جالس على سريرٍ، والوزيرُ بين يديه، والطَّيارات حوله، وكان يومًا عظيمًا حين وافى القصر الحَسني، وازدحم طيارُ مؤنس وطيَّارُ أبي عمر القاضي، فغرق أبو عمر بين الجسرين، ثمّ أُخرج سالمًا، وقيل للوزير: إنَّ أبا عمر قد غرق فاغتمَّ، فلما قيل له: قد نجا سالمًا سجد وقال: الحمد لله الذي لم يَفْجَعنا به (١).

وقال الخطيب: ركب المكتفي من الرَّقَّة في الفرات، وأمر الجيش فوافَوه على البَرِّ، فدخل بغداد، فنزل قصر الخلافة، وجلس للبيعة والتَّعزية (٢)، فأنشده شاعر: [من الطويل]

أجلُّ الرَّزايا أن يموت إمام … وأسنى العَطايا أن يقوم إمامُ

فأُسقي الذي مات الغَمام وجاده … ودامت تحيَّاتٌ له وسلامُ

وأبقى الذي قام الإلهُ وزاده … مواهبَ لا يَفنى لهنَّ دوامُ

ودامت له الآمالُ واتَّصلت بها … فوائدُ موصولٌ بهنَّ تَمامُ

هو المكتفي بالله يَكفيه كلَّ ما … عَناه برُكْنٍ منه ليس يُرامُ

ثمَّ خلع المكتفي على القاسم الوزير سبعَ خِلع، وقلَّده سيفًا.

وكان أوَّل ما فعل المكتفي في خلافته أنَّه أحضر إخوتَه، وضمَّهم إليه، وقبلهم، وعزاهم، ومنَّاهم، وهدم المطامير التي عَمرها أبوه، وجعل مواضعها مساجد، وكانت


(١) تاريخ الإِسلام ٦/ ٦٦٢.
(٢) ينظر تاريخ بغداد ١٣/ ٢١٤، والمنتظم ١٣/ ٤.