للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ إنَّ المكتفي خلَّف عساكره بالرقَّة مع محمَّد بن سليمان، وشخص إلى بغداد في خواصِّه وغلمانه، ومعه القاسم بن عبيد الله الوزير، وجماعةٌ مِمَّن أسر، ودخل بغداد والقرمطيُّ وأصحابُه بين يديه على الجمال، والقرمطيّ على فيل، وفي في المطوَّق خشبةٌ مَخروطة شبه اللّجام؛ لأنَّه كان يشتم النَّاس، ثمَّ بني لهم دكَّة عالية، ونُودي في بغداد من الجانبين: مَن أراد أن يحضرَ عقوبة القرمطيِّ فليحضر، فلم يتخلَّف أحد.

وكان مع القرمطيِّ سبعون أسيرًا من أعيان أصحابه، وقيل: بل كانوا ثلاث مئة وعشرين، فعذَّبهم المكتفي بأنواع العذاب، فكان يقطع أيديهم وأرجلَهم من خِلاف وهم على وجوههم، فلمَّا فرغ منهم قدَّم المدَّثِّرَ فضرب أَلْف سوط، وكذا المطوَّق وصاحب الشَّامة، وضُربت أعناقُهم، وصُلبت أبدانهم، ثمَّ أُحرقوا.

القاسم بن عُبيد الله الوزير

ولد سنة ثمانٍ وخمسين ومئتين، ووَزَر للمعتضد والمكتفي، وكان شابًّا غِرًّا، قليلَ الخبرة بالأمور، مُستهلِكًا للمحارم، وإنَّما استوزره المكتفي لأنَّه أخذ له البَيعة، وحفظ عليه الأموال، وهو الذي قتل بَدْرًا المعتضديّ.

وكان جبارًا ظالمًا سفَاكًا للدِّماء، لا ينام أحد إلَّا وهو على وَجَلٍ منه، وهو الذي حمل المكتفي على قتل عبد الواحد بن الموفَّق؛ ما زال يقول: إنَّه يَروم الخلافة حتَّى قتله، وبان بعد ذلك للمكتفي أنَّه ما كان يروم الخلافة، وأنَّه كان مَشغولًا باللهو، وكان عبد الواحد يتمثَّل بقول العَتَّابي: [من الطَّويل]

ذَريني تَجئني ميتتي مُطمئنَّة … ولم أتجشَّم هولَ تلك المواردِ

فإنَّ نَفيساتِ الأُمور مُناطةٌ … بمُستودَعاتٍ في بطون الأساودِ

وإنَّ الذي يسمو إلى دَرَك العُلى … مُلَقًّى لأسباب الرَّدى والمكائدِ

فقال المكتفي: قاتلهم الله، قد قلنا لهم إنَّه ما له في الملك أَرَب فلم يسمعوا (١).

وكانت وفاةُ القاسم في ذي القعدة.

وقال الصُّولي: ومن العجائب التي رأيتُها أنَّنا كنَّا نُبَكِّر إلى عيادة القاسم كلَّ يوم، فدخلنا يوم الأربعاء الذي توفِّي فيه لستٍّ من ذي القعدة دارَه، فرأينا ابنَيه أَبا عليٍّ وأبا


(١) مروج الذهب ٨/ ٢٢٨ - ٢٣٠.