للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنشد إسماعيل: [من الطَّويل]

ولا زال بي شَوقٌ إليك مُبرِّحٌ … يُذلِّل منِّي كلَّ مُمْتَنِعٍ صَعْبِ

محمَّد بن محمَّد بن إسماعيل

ابن شدَّاد، أبو عبد الله، الأنصاريُّ، ويُعرف بالجُذُوعيّ.

كان صالحًا، ورِعًا، دَيِّنًا، ثِقَة، توفِّي ببغداد في جمادى الآخرة، حدَّث عن عليِّ بن المدينيّ وغيرِه، وروى عنه المحامليُّ وغيرُه.

وقال محمَّد بن [علي بن الخلال] البصريُّ: أُدخل الشهودُ والقضاةُ بمدينة السلام على المعتمد ليَشهدوا عليه في دَين كان اقترضه عند الإضاقة، وأنفقه على صاحب الزَّنْج، فلمَّا مَثُلوا بين يديه، قرأ عليه إسماعيلُ بنُ بلبل الكتابَ، وقال: تشهد الجماعة على أمير المُؤْمنين؟ قال: نعم، فشهد واحدٌ بعد واحد، حتَّى بلغ الأمر إلى الجُذُوعيِّ، فأخذ الكتاب بيده وقال: أشهد عليك؟ قال: نعم، قال: لا يصحُّ حتَّى تقول: اشهد، فقال: اشهد.

ثمَّ خرجوا، فقال المعتمد: مَنْ هذا؟ قالوا: القاضي الجُذُوعيّ، قال: أبطَّال هو أم عمَّال؟ قالوا: بطَّال، قال: مثل هذا لا يكون بطَّالًا، فقلَّده القضاء على واسِط، فصار إليها، وكان بها الموفَّق، فاحتاج يومًا إلى مشاورة القاضي، فقال: استَدعُوه، فاستدعَوْه، فجاء وعلى رأسه دَنِّيَّة طويلة (١) -وكان قصيرَ العُنُق- فدخل دِهليز الموفَّق، فالتقاه غلامٌ وهو مَخمور، وكان مكينًا عند الموفَّق، فوضع يده على قَلَنْسُوةِ القاضي وكبسها، فغاص رأسُه فيها.

ومضى الغلام، فجلس الجُذُوعي موضعَه، وعمد غلامُه ففتقها وأخرج رأسَه منها، فثنى ردَاءه على رأسه، وعاد إلى داره، وأحضر الشُّهود، وسلَّم إليهم قِمَطرَ القضاء، وصرفَهم وأغلق الباب.

وطال على الموفَّق انتظارُه، فأرسل وراءه، فلم يَخرج من داره، وحدَّثوا الرسول بالقصَّة، فجاء فأخبر الموفَّق، فاستدعى صاحبَ الشرطة وقال له: جرِّد الغلامَ،


(١) شرحها محقق نشوار المحاضرة ٢/ ٢٦ أنها عمامة تشبه الدن يتقلدها القضاة.