للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الثَّانية والتسعون بعد المئتين (١)

فيها في صفر سار محمَّد بن سليمان إلى مصر لحرب هارون بن خُمارويه، وخرج إليه هارون في القوَّاد، وجرت بينهم وَقعات، ثمَّ وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبيَّة، فاقتتلوا، فخرج هارون يُسكِّنهم، فرماه بعضُ المغاربة بسهم فقتله، وتفرَّقوا، فدخل محمَّد بن سليمان مصر، واحتوى على دُور آل طولون وأسبابِهم، وأخذهم جميعًا وكانوا بضعة عشر رجلًا، فقيَّدهم وحبسهم واستصفى أموالهم، وكتب بالفتح إلى المكتفي.

وقيل: إنَّ محمدَ بنَ سليمان لَما قَرُب من مصر أرسل إلى هارون يقول: إنَّ الخليفة قد ولَّاني مصرَ، ورسَمَ أن تسير بأهلك وحَشَمك إلى بابه إن كنتَ مُطيعًا، وبعث بكتاب الخليفة إلى هارون، فعرضه على القوَّاد، فأبَوْا عليه، فخرج هارون، فصاح: المكتفي يَا منصور، فقال القوَّاد: هذا يُريد هلاكَنا، فدسُّوا خادمًا فقتله على فراشه، وولَّوْا مكانه عمَّه شيبان بن أَحْمد بن طولون، ثمَّ خرج شيبان إلى محمَّد مُستأمِنًا.

وكتب الخليفة إلى محمَّد بن سليمان في إشخاص آل طولون وأسبابهم والقوَّادِ، وأن لا يترك أحدًا منهم بمصر ولا الشَّام، فبعث بهم إلى بغداد، فحُبسوا في دار صاعد.

وفي جمادى الأولى زادت دِجلة زيادةً عظيمة حتَّى تهدَّمت الدُّور والقصور التي على شاطئيها، وبلغت الزيادةُ إحدى وعشرين ذِراعًا، وخربت بغداد، ولم يُرَ مثل هذه الزيادة.

وفي رمضان غلب قائد من قوَّاد مصر يقال له: الخَلَنْجيُّ (٢)، كان قد تخلَّف عن محمَّد بن سليمان في أطراف مصر، فاستمال جماعةً من المصريِّين مِمَّن يحبُّ الفتنةَ، وكان النوشريُّ عاملَ المعونة بمصر (٣)، فأخرجه الخلنجيُّ إلى الإسكندرية، واستولى على مصر.


(١) في هذه السنة والتي تليها تأخير وتقديم في (ف م ١)، وما يرد بين معكوفات منهما.
(٢) في تاريخ الطبري ١٠/ ١١٩: الخليجي، وفي مروج الذهب ٨/ ٢٣٦: ابن الخليجي.
(٣) في (خ): وكان النوشري عامل لمعاوية بمصر. والمثبت من تاريخ الطبري ١٠/ ١١٩، والكامل ٧/ ٥٣٦، وينظر تاريخ الإِسلام ٦/ ٨٦٤ - ٨٦٥.