للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأدَّب رجلًا فمات، فكتب إلى المعتضد: يَا أمير المُؤْمنين، إذا كان المُرادُ من التأديب مصلحةَ المسلمين؛ فدِيةُ هذا الرَّجل في بيت المال، فأمر المعتضد يحمل الدِّية إلى وَرَثة الميت.

وقال عبد الواحد بن محمَّد الخَصيبي: بلغ من شدَّة أبي خازم في الحكم أنَّ المعتضدَ وجَّه إليه بطَريف المَخْلدي يقول: إنَّ لي على الضُّبعي مالًا من بيع، وقد بلغني أنَّ غُرماءه أثبتوا عندك ديونَهم، وقد قسَّطتَ لهم من ماله، فاجعلني كأحدهم، فقال: قل لأمير المُؤْمنين: إنَّه لَمَّا قلَّدني هذا الأمر أخرجه من عُنقه وجعله في عنقي، ولا يجوز لي أن أحكم بغير بيِّنة.

فرجع إليه طريف فأخبره، فقال المعتضد: قل له: فلان وفلان يشهدان، لرجلين كانا جَليلين في ذلك الوقت، فقال: إذا شهدا عندي سألت عنهما، فإن زُكِّيا قبلتُ شهادتهما، وإلا أمضيتُ ما ثبت عندي، فامتنع أولئك الرجلين من الشَّهادة؛ خوفًا من القاضي، ولم يعطِ المعتضد شيئًا.

وأُثني على قاضٍ عند أبي خازم بالعِفَّة، فقال: قبَّح الله زمانًا صار القاضي يُوصف فيه بالعِفَّة، إنَّما يوصف بالعِّفَّة صاحبُ الشرطة لا القُضاة.

وقال وكيع القاضي: كان المعتضد قد أخذ أراضي من أوقاف الحسن بن سهل، فأدخلها في قصره المعروف بالحسني، فلمَّا جاء رأس السَّنَة أرسلني إلى المعتضد أطلب منه الأجرة، وقال لي: قل للخادم: إنَّما جئتُ في مهمٍّ، ففعلتُ ما أمرني به، فدخل الخادم على الخليفة وأخبره، فظنَّ أنَّه قد حدث أمرٌ، فأحضرني وقال: هي (١)، وَتشَوَّفَ إلى سماع كلامي، فقلت: يَا أمير المُؤْمنين، براءةُ الذِّمَّة عند الله عظيمة، قال: وما هو؟ فأخبرتُه، فقال: أصاب عبد الحميد، فجزاه الله خيرًا حيث عرَّفني بهذا، يَا غلام، هاتِ الميزان، فأحضرَ الدنانير، ووزن أربع مئة دينار وقال: اشكر عبد الحميد.

وجاءه رجل فقال: يَا أَبا خازم، إنَّ الشيطان قد شوَّش عليَّ، يأتي إلي كلَّ ساعة ويقول: قد طلَّقتَ زوجتك، وأنا في عَناء معه، فغافَلَه القاضي ساعة، واشتغل عنه بالخصوم، ثمَّ التفت إليه وقال: قمْ فاكتُبْ براءةَ امرأتك، قال: ولِمَ؟! قال: لأنَّك


(١) في تاريخ بغداد ١٢/ ٣٤٠: هيه، وكلاهما يراد به الاستزادة من الكلام.