للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا من الأرض. قال: وكان الله قد أذن للرِّيح مهما سمعت من كلام الإنس والجن تحمله إليه، وهذا شيء لم يُعطَهُ سواه.

وروى في "التبصرة" عن سيَّار عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: خرج نبيُّ الله سليمان، والجن والإنس عن يمينه ويساره، فأمر الريحَ فحملتهم حتى سمعوا زَجَلَ الملائكة في السماوات بالتقديس، ثم أمرها فخفضتهم حتى مسَّتْ أقدامهم البحر، فسمعوا صوتًا من السماء يقول: لو كان في قلب صاحبكم- من الكبر مثقال ذرَّةٍ لخسفتُ به أبعدَ مما رفعته (١).

وقال الحسن: كان يحرسه ست مئة ألف، ويوضع له أربعة آلاف كرسي يجلس عليها الأشراف، وملكَ الأرضَ كما ملكها ذو القرنَين، وهو أحد المؤمنين اللذَين ملكاها، وقد ذكرناه.

وقال في "التبصرة": كان يطعم كلَّ يوم مئة ألف فإن أقل أطعم ستين ألفًا، وكان يذبح كل يوم مئة ألف شاة وثلاثين ألف بقرة، ويطعم الناس النقي الحُوَّارى، ويأكل هو الشعير، ويطعم أهله الخُشكَار (٢).

قال الحسن البصري: كان يحمل القصعة الواحدة ألف رجل ولا يأكل معهم،

ويدخل منزله فيأكل الخلَّ والزَّيت بخبز الشعير، فأثنى عليه الله بقوله: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] أي: رجاَّع. فإن قيل: مع هذا التقلل والزهد يقول: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥]، أكانت المملكة ضيِّقةً حتى يحجر على من بعده؟ والجواب من وجوه:

أحدها: أنه لما قال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي﴾ فلما أجاب الله دعاءه بما وهبه من المُلك استدلَّ به على الغفران، فتيقَّن أن الله قد غفر له.

والثاني: إنه ئم يكن في مُلك غيره الريح ولا تسخير الشياطين ولا الطير، فسأل الله ذلك ليكمل حاله، قاله مقاتل.


(١) "التبصرة" ١/ ٢٨٨.
(٢) "التبصرة" ١/ ٢٢٨، الحوارى: الدقيق الأبيض، والخُشكار: الخبز الذي لم يُنْخَل طحينه.