للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: أنه أراد [أن] يعلم أنه مستجابُ الدعوة أم لا، فسأل ذلك كما سأل إبراهيم إحياء الموتى وإن كان موقنًا بالإحياء.

والرابع: أنه لما مات داود أوحى الله إلى سليمان سلني حاجتك، فقال: أسألك أن تجعل قلبي يخشاك ويحبك كما كان قلب أبي داود، فقال الله لسليمان: أرسلت إليك أسألك حاجتك فكان هذا جوابك؟ لأعطينَّك مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدك في الدنيا ولا حساب عليك في الآخرة، قاله أبو عبيد القاسم بن سلَّام.

والخامس: أنه خُيِّر بين العلم والملك والمال، فاختار العلم فأعطاه الكل.

قلت: وهذه جوابات إقناعية، وبعضها لا يطابق السؤال، فإنه قد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠]، إنه آصَفُ، كان يعرف الاسم الأعظم، فقيل له كيف يعرفه آصَف، وهو كاتب سليمان، ولا يعرفه سليمان؟ قال: كان يعرفه، فلما قال: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥]، أنساه الله إياه.

وقال عبد الوهاب ابن النُّوبي في "الأسْولة": إنَّ النَّملة التي وقف عليها سليمان واسمها منذرة قالت له: ماذا سألت ربك؟ قال: مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدي، فقالت: تفوح من سؤالك رائحة الحسد وما كان يضرُّكَ لو أعطاه الله لغيرك؟ وهل الكل إلا زائل؟

قلت: وقد تكرَّم عليه نبيُّنا ولم يزاحمه في هذا المعنى، فقال أحمد بن حنبل بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إنَّ عِفْريتًا من الجِنِّ تفلَّتَ عليَّ البَارحَةَ ييَقْطَعَ صَلَاتي، فَأَمكَنَني اللهُ منهُ، فأَخَذْتُه وأَردتُ أنْ أَربطه بساريَة من سَوَاري المسجدِ حتَّى تُصبِحُوا وتَنْظُروا إليه كلُّكُم، فَذَكَرتُ دَعوةَ أخي سُليمان ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ فَرَددتُه خَاسئًا"، أخرجاه في "الصحيحين" (١).

وقد أخرجه مسلم بمعناه عن أبي الدرداء، وفيه: "لولا دعوةُ أخِينا سُليمان لأصبحَ مُوثقًا تَلعَب به وِلْدَانُ أهلِ المدينةِ" (٢).


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٧٩٦٩)، و"البخاري" (٤١٦)، و "مسلم" (٥٤١).
(٢) صحيح "مسلم" (٥٤٢).