للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغداد، وكرهتُ أن يَبدوَ منِّي سوءُ أدب من جَهْد الفاقة في حضرتك، فلمَّا دعوتَني سَرَرْتَني إذ جرى ذلك منك ابتداءً، فمضيتُ معه وأنا لا أرضى له بالجنان، فلما جلستُ على مائدته ما أكلتُ سوى لقمة، وقال: كلْ فهذه أحبُّ إلي من عشرة آلاف درهم، فلمَّا ثمَّن اللقمةَ علمتُ أنَّه دنيُّ الهِمَّة، فتطرَّقتُ عن أكل طعامه.

وقال الخلديُّ: كان شابٌّ يصحب الجنيد، فكان الجنيد كلَّما ذكر شيئًا صاح الشابُّ، فقال له الجنيد: إن فعلتَ هذا مرَّةً أخرى لم تَصْحَبني، فكان الشابُّ إذا سمع بعد ذلك شيئًا تغيَّر وضبط نفسه، فصاح يومًا صيحةً ومات (١).

[ذكر نبذة من كلامه:

حكى الخطيب عن المرتعش قال:] قال الجنيد (٢): كنتُ يومًا بين يدي السَّرِيّ وأنا ابنُ سبع سنين، وبين يديه قومٌ يتكلَّمون في الشُّكر، فقال لي: يا غلام، ما حدُّ الشُّكر؟ فقلت: أن لا يُعصَى الله بنِعَمِه، فقال السَّريّ: يا غلام، أخشى أن يكون حظُّك من الله لسانُك. قال الجنيد: فأنا أبكي على الكلمة التي قالها السَّري حتَّى ألقى الله تعالى.

وقال: الجنيد: مشى (٣) قوم على الماء باليقين، ومات بالعطش مَنْ هو أقوى يقينًا منهم.

[وحكى أبو نعيم (٤) عنه أنَّه] قال: لو أقبل مقبلٌ على الله ألف ألف سنة، ثمَّ أعرض عنه لحظةً واحدة كان ما فاتَه أعظمَ مِمَّا ناله.

وقال له رجل: على ما يتأسَّف المحبُّ؟ فقال: على زمانِ بَسْطٍ أَورث قبضًا، وعلى زمانِ أُنْسٍ أورث وَحْشةً، ثمَّ أنشد: [من البسيط]

قد كان لي مَشْرَبٌ يَصفو برؤيتكم … فكدَّرتْه يدُ الأيَّام حينَ صفا

قال المصنِّف : وقد مرَّ بي على هذا الوزن والرَّويِّ أبياتٌ من هذا الجنس، وهي: [من البسيط]


(١) ينظر ما سلف من أخبار في الرسالة القشيرية ص ٢٥٣، ٣٢٨، ٣٧٤، ٥١٣.
(٢) ما بين معكوفين من (ف) و (م ١)، وانظر تاريخ بغداد ٨/ ١٧٢.
(٣) في (ف م ١): وقال ابن باكويه كان الجنيد يقول مشى، والمثبت من (خ).
(٤) في حلية الأولياء ١٠/ ٢٧٨ - ٢٧٩.