للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هل عائدٌ وأحاديثُ المُنى خُدَعٌ … على الغَضا زمنٌ من عيشنا سَلَفا

هيهات أن تُخْلِفَ الأيامُ من عُمُري … شَبيبةً فيكمُ أنفقْتُها سَرَفا (١)

وقال أبو العبَّاس بن مَسْروق: كنتُ أمشي مع الجنيد في بعضِ دُرُوب بغداد، وإذا بمغنٍّ يغني: [من البسيط]

منازلٌ كنتَ تهواها وتألَفُها … أيَّام أنت على الأيَّام منصورُ

فبكى الجنيد بكاءً شديدًا وقال: يا أبا العبَّاس، ما أطيبَ منازلَ الأُلْفة والأُنْس، وأوحشَ مقاماتِ المخالفات، لا أزال أحنُّ إلى بَدْء إرادتي، وحِدَّة سَعْي، وركوبي الأهوال طمعًا في الاتِّصال، وها أنا ذا في أيَّام الفترة أتأسَّف على أوقاتي الماضية.

وسئل (٢) الجنيدُ: مَن العارفُ؟ فقال: مَن يَنطِق عن سرِّك وأنت ساكن (٣).

وقال: لا يَصِلُ العبدُ إلى مقام الحريَّة وعليه ذرَّة من حقيقة العبودية.

وقال: المعرفة على رؤوس العارفين أحسنُ من التِّيجان على رؤوس الملوك.

وقال: ما نجا مَن نجا إلَّا بصدق اللَّجا.

وقال: المسير من الدُّنيا إلى الآخرة سهلٌ، ومن النَّفس إلى الله صعبٌ، والصَّبر مع الله أشدُّ.

وقال: حدُّ الصَّبر تجرُّع المرارات من غير تَعْبيس.

وقال: الحكايات جُندٌ من جنود الله تعالى، يقوِّي بها قلوبَ المريدين، قيل له: فما الشاهد؟ قال: قوله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ﴾ الآية [١٢٠: هود].

وقيل له: ما الفرق بين المريد والمراد؟ فقال: المريد تتولَّاه سياسة العلم، والمُراد تتولَّاه رعايةُ الحقِّ، المريدُ سائر، والمُرادُ طائر، ومتى يلحق السائرُ بالطائر؟

وقال: الصادقُ يتقلَّب في اليوم أربعين مرَّة، والمرائي يثبتُ على حالة واحدة أربعين سنة.


(١) هذان البيتان لسبط بن التعاويذي وهما في ديوانه ص ٢٩١.
(٢) في (ف م ١): وحكى في المناقب وقال سئل، والمثبت من (خ).
(٣) طبقات الصوفية ص ٢٤٠، وحلية الأولياء ص ٢١٤.