للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: يا أبا محمد، إذا متُّ فاتَّخِذْ لأصحابنا طعامًا، فإذا انصرفوا من الجنازة أكلوا لئلَّا يتشتَّتوا، فبكى الجريريُّ، وقال: والله لئن فقدنا هاتين العينين لا اجتمع منَّا اثنان أبدًا، فكان كما قال (١).

وقال في "المناقب": ختم الجنيدُ القرآن عند موته، ثمَّ ابتدأ من سورة البقرة، فقرأ سبعين آيةً ثمَّ مات.

واختلفوا في وفاته على ثلاثة أقوال؛ أحدها: في هذه السنة، قال الخطيب (٢): توفِّي يوم السبت في شوَّال، وكان نَيروزَ الخليفة هذه السَّنة. والثاني في سنة ثمانٍ وتسعين [ومئتين. والثالث في سنة تسع وتسعين ومئتين (٣).

وغسَّله الجريريُّ، وصلَّى عليه ولدُه.

وقال ابن المنادي: ذكر (٤) لي أنَّه حُزِر الجَمْعُ الذين صلَّوا عليه فكانوا نحوًا من ستين ألفًا، ودُفن بمقابر الشُّونيزيَّة، وقبرُه ظاهر يُزار …

وقال الجريري: كان (٥) في جوار الجنيد رجلٌ مُصاب في خَرِبَةٍ، فلمَّا رجعنا من الجنازة تقدَّمَنا ذلك المصاب، ووقف على تلٍّ وقال لي: يا أبا محمد، أتراني أرجع إلى تلك الخَرِبَة وقد فقدتُ ذلك السيِّد؟ ثم أنشأ يقول: [من مخلع البسيط]

واأسفي من فِراقِ قومٍ … همُ المصابيحُ والحصونُ

والمُدْنُ والمُزْنُ والرَّواسي … والخيرُ والأمنُ والسكونُ

لم تتغيَّر لنا اللَّيالي … حتَّى توفَّتْهمُ المنونُ

فكلُّ جَمْرٍ لنا قلوبٌ … وكلُّ ماءٍ لنا عيونُ

ثمَّ غاب، فكان آخرَ العَهْد به.


(١) ينظر طبقات الشعراني ١/ ٧٤.
(٢) في تاريخه ٨/ ١٧٧.
(٣) في (خ): واختلفوا في وفاته قال الخطيب يوم السبت … وقيل سنة ثمان وتسعين وقيل سنة تسع وتسعين ومئتين، والمثبت من (ف م ١).
(٤) في (ف م ١): قال الخطيب: أخبرني الجوهري عن محمد بن العباس عن ابن المنادي قال ذكر، والمثبت من (خ)، وانظر تاريخ بغداد ٨/ ١٧٧.
(٥) في (ف م ١): وحكى في المناقب عن الجريري قال كان، والمثبت من (خ)، والخبر في تاريخ بغداد ٨/ ١٧٧.