للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقتتلا، فقُتِل محمدٌ في المعركة، وحُمِلَ رأسُه إلى بغداد، فنصبَ على (١) الجسر.

وفيها وقع ببغداد والبادية وباءٌ عظيم وموتٌ جارف، فماتَ الناس على الطرق، وكلبت الذئاب والكلاب في البريَّة، وخالطت الناسَ في البلدان فأهلكتهم. وساخ جبل بالدِّينَوَر في الأرض، ويعرف بالتل (٢)، وخرج من تحته ماءٌ كثير غرَّقَ القرى.

ووقعت قطعةٌ عظيمة من جبل لبنان في البحر.

وتناثرت النجومُ في جمادى الآخرة تناثرًا عجيبًا، وكلُّها إلى ناحية المشرق.

وقبض المقتدرُ على حاشيةِ ابن الفرات، واستترَ أولادُه المحسن والحسين والفضل، وكاتِبه أبو علي محمد بن علي ابن مُقْلة وغيرهم، وهُدِمت دورُ الباقين، ولم يمكِّن المقتدرُ أحدًا من أبي الحسن بن الفرات ولا من مناظرته، وكان في دار مكرمًا.

وقلَّد الوزيرُ الخاقانيُّ أبا الهيثم العباس بن محمد بن ثَوابة، وكاتب محمد بن أبي الساج (٣) ديوانَ المصادرات، وكان ابن ثوابة من الموصوفين بالشرّ، فأسرفَ في مناظرة أصحاب ابن الفرات، وقيَّدهم وغلَّهم بحضرةِ القَهْرَمانة، فردَّ عليه أقبحَ ردِّ وشتمَه، ونسبَه في نفسه إلى كل قبيح، فكتبَ ابن ثَوابة إلى المقتدر أنَّ ابن الفرات لم يُقْدِم على هذا الأمر إلا لكثرة أمواله، واستأذنه في معاقبته، فبسطَ يده فيه، فغل ابنَ الفرات، وقيَّدَه، وألبسَه جُبَّة صوف، وأقدمه في الشمس أربعَ ساعات، فكاد يَتلَف، فأنهَى أمرَه إلى المقتدر بدرٌ الحرميّ، فأنكرَ ذلك، وأمرَ بإزالة ذلك عنه، وأفردَ له حُجرةً في دار الخلافة من حَجَر الحرم الخواصّ، ورفع يدَ ابن ثوابة عنه بعد أن حلفَ له أنَّه ما بقيَ عنده مال، ثم صارَ المقتدرُ بعد ذلك يشاورُه في أموره، ويبعث إليه برقاع الوزير والكتاب، فيجيبُ عنها.

قال ثابت بن سنان: وفيها صرف المقتدرُ أبا عليّ الخاقاني من الوزارة، وكان يتقلَّد في وزارة ابن الفرات أعمال البريد والمظالم بإسَبَذَان، فلمَّا ولي الوزارة تحيَّر لقلة


(١) في (ف) و (م ١): عند.
(٢) في (ف) و (م ١): يا ليل. وفي (خ): بالليل. والمثبت من: ما لم ينشر من أوراق الصولي ص ٨٨، والمنتظم ١٣/ ٣٢.
(٣) كذا في (خ).