للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر حكايته وحكاية جماعة من الطلبة للعلم مع أحمد بن طولون:

وروى أبو الفضل بن ناصر السَّلامي بإسناده عن أبي الحسين الصفَّار قال:] (١) كنا عند الحسن بن سفيان، وقد اجتمعَ إليه طائفةٌ من أهل الفضل، ارتحلوا إليه من البلاد البعيدة لكتابة الحديث، فخرجَ يومًا إلى مجلس إملائه، فقال: اسمعوا ما أقولُ لكم قبل أن نشرع في الإملاء، وقد علمنَا أنَّكم طائفةٌ من أبناء (٢) النِّعم، هجرتُم أوطانَكم، وفارقتم ديارَكم وأصحابكم في طلب العلم، فلا يخطرنَّ ببالكم أنَّكم قضيتم بهذا التجشُّم للعلم حقًّا، ولا أدَّيتم له من المشقَّة فرضًا، وأنا أحدِّثكم ببعض ما تحمَّلتُه من المَشَقَّة:

ارتحلنَا إلى شيخٍ من أهل مصر، فأقمنَا نسمعُ عليه الحديثَ، فنَفِدَت نفقاتُنا، وبعنَا جميع ثيابنا، وأفضَى بنا الحالُ إلى أنْ طوينَا ثلاثةَ أيامٍ بلياليهن، وأصبحنَا في اليوم الرابع وليس بنا حَرَاكٌ من الجوع، ولم يبقَ حيلةٌ إلَّا الخروج إلى [سؤال] الناس، فكتبنا رقاعًا فيها أسامينا، واقترعنَا على من يتولَّى السؤال، فخرجتِ القرعةُ على اسمي، فتحيَّرتُ ولم تسمح نفسي بذلك، فعدلتُ إلى زاويةٍ في المسجد الَّذي كنَّا فيه، وصلَّيتُ ركعتين، وسألتُ الله بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة، فلم أستتمَّ دعائي حتَّى دخل المسجد خادمٌ في يده منديل، فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعتُ رأسي من السجدة وقلت: أنا، فقال: إنَّ الأمير [أحمد] بن طولون صاحبي يقرئكُم السلام، ويعتذرُ إليكم من الغفلة عن تفقُّد أحوالكم والتقصيرِ في حقوقكم، وهو زائرُكم غدًا بنفسه.

ووضع بين يدي كلِّ واحدٍ منَّا صُرَّةً فيها مئة دينار، وكنَّا ثلاثة، فقلت له: فما سببُ هذا؟ ومن أين يعرفنا الأمير؟! فقال: حدَّثني أنَّه أتاهُ البارحة في المنام فارسٌ وبيده رمحٌ، فوضعه على خاصرته، وقال: قم فأدرك الحسنَ بن سفيان وأصحابَه، فإنَّهم منذ ثلاث ما أكلوا، وهم في المسجد الفلانيّ، قال ابن طولون: فقلت: من أنت؟ قال: رضوان خازنُ الجنان، قال: فلمَّا أصبح [ابن طولون] دعاني وأخبرني الخبر، وقال: منذُ وَضعَ الرمحَ على خاصرتي أصابني وجعٌ شديد، فعجِّل بإيصال المال إليهم ليزولَ الوجع عنِّي.


(١) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١). وفي (خ): قال أبو الحسن الصفار: كنا عند.
(٢) في (ف) و (م ١): أهل.