للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوزارة، فكتب إليه فقدم، وعزل ابن الفُرات، ودخل حامد في زِيٍّ عظيم إلى بغداد، وخلفه أربع مئة غلام يحملون السلاح، وخدم وحشم، فخلع عليه وجلس في الديوان أيامًا، فظهر منه قلَّةُ معرفة، وسوءُ تدبير مع حدة وغضب، وبلغ المقتدر فأراد عزلَه، فقيل لحامد: اطلب عليَّ بن عيسى من المقتدر يكون معك، وكان حامد صديقًا لعلي أيام وزارته، فطلبه فأطلقه المقتدر، وباشر الأمور بنفسه، فاستقامت الأحوال، وقوي أمر علي بن عيسى حتَّى بلغ أعلى من مرتبة الوزارة (١)، ولم يبق لحامد غير الاسم، ويحضر عند المقتدر فلا يشاوره في شيء، والحلُّ والعقد لعلي بن عيسى.

وكان أبو علي بن مُقلة يكتب بين يدي حامد بن العباس ويوقّع، ولم يبق لحامد إلا لُبسُ السَّواد وحضوره دار الخلافة (٢)، فقال شاعر فيهما: [من مخلع البسيط]

هذا وزيرٌ بلا سوادٍ … وذا سَوادٌ بلا وزير

وقال ثابت بن سنان (٣): كان علي بن محمد بن الحَواري قد أشار على المقتدر بتولية حامد، فلما قدم بغداد ليلة الثلاثاء لليلتين خلتا من جمادى الآخرة أقام تلك الليلة في دار السلطان عند نصر الحاجب في دار الحِجْبة، وجلس يتحدَّث، فبان للقُوَّاد وخواص المقتدر ما فيه من الحدَّة وقلَّة الخبرة بأمور الوزارة، وبلغ المقتدر فعتب على ابن الحَواري حيث أشار به، فوصفه باستخراج الأموال، والهيبة عند العمال والسَّراة (٤)، وكثرة الغلمان ونحو ذلك، وأشار في عرض كلامه بإطلاق علي بن عيسى وتقليده الدواوين نيابة عن حامد، فامتنع المقتدر من ذلك إلا أن يسأله حامد، فاحتال ابن الحواري على حامد بذلك، وعرَّفه سوء أدب الخاصة، وحوائج الحاشية، وأوهمه أنَّه [إن] لم يسأل ذلك فعل مُراغمة له.

فلما دخل حامد على المقتدر سأله إطلاق علي، وأن يكون خليفته على الدَّواوين، وأثنى عليه، فقال له: ما يجيب علي إلى ذلك، ولا يرضى أن يكون تابعًا بعد أن كان


(١) في (م ١): من مرتبته في الوزارة، وفي (خ): أعلى مرتبة الوزارة، والمثبت من (ف)، وانظر المنتظم ١٣/ ١٨٠.
(٢) في (ت) و (م ١): الخليفة.
(٣) من هنا إلى قوله: وفيها أمرت أم المقتدر؛ ليس في (ت) و (م ١).
(٤) في النسخ الخطية (السار)، ولعل الصواب: السَّراة، وهم السادة والأشراف، تاج العروس: (سرى).