للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكّي، والمشايخ في أمره مختلفون، ردّه أكثرهم كالجنيد وأقرانه، وأنكروا أن يكون له قَدَمٌ في التصوُّف، وقبِلَه بعضهم، ودوّنوا كلامَه، وجعلوه أحد المحقّقين (١).

[وذكر في "المناقب" جملة من كلامه، فقال الحسين بن منصور:] (٢) حجبهم بالاسم فعاشوا، ولو أبرز لهم علومَ القُدْرة لطاشوا، ولو كشف لهم عن الحقائق لماتوا.

وقال: إذا وصل العبد إلى مَقام المعرفة أوحى الله إلى خاطره، وحرس سره أن يَسْنَح فيه غيره، وعلامة العارف أن يكون فارغًا من الدنيا والآخرة.

وقال: مَن طلب الحقَّ بنور الإيمان كان كمَن طلب الشمس بنور الكواكب.

وكتب إلى أبي العباس بن عطاء: أطال الله حياتَك، وأعدَمَني وَفاتَك، على أحسن ما جرى به خاطر، أو تحرك به قلب، مع ما أن لك في قلبي من لواعج الاشتياق، ومن أسرار مَحبتك، ودَفائن (٣) ذخائر مَوَدَّتك، ما لا يُترجمه لسان، ولا يُحصيه كتاب، ولا يُفنيه عِتاب، وفي ذلك أقول: [من الطويل]

كتبتُ ولم أكتب إليك وإنما … كتبتُ إلى روحي بغير كتابِ

وذاك لأن الرُّوح لا فَرْقَ بينها … وبين مُحبِّيها بفَصْل خطابِ

فكلُّ كتابٍ صادر منك وارد … إليك بلا ردّ الجَواب جَوابي

ومن شعره: [من الطويل]

مواجيد حقٍّ أوجد الحقُّ وجدها (٤) … وإن عَجَزت عنها فُهومُ الأكابرِ

وما الوَجْدُ إلا خَطْرةٌ ثم نَظرةٌ … تُثير لَهيبًا بين تلك السَّتائر

وسئل عن حال موسى عند سماع الكلام فقال: بدا بادٍ لموسى من الحق، فلم يبق له أثرٌ [، ثم فني] موسى عن موسى (٥)، وأنشد: [من الكامل]

وبدا له من بعد ما انْدَمَل الهوى … بَرْقٌ تألَّق موهنًا لَمَعانُه


(١) مناقب الأبرار ٢/ ٧١.
(٢) ما بين معكوفين من (ف) و (م ١)، جاء بدله في (خ): فمن كلامه، وانظر مناقب الأبرار ٢/ ٧٥.
(٣) في مناقب الأبرار ٢/ ٨٠: وأفانين، وهي الأشبه.
(٤) في طبقات الصوفية ص ٣١٠: أوحد الحق كلها، وفي مناقب الأبرار ٢/ ٧٦: أوجد الحق كلها.
(٥) ما بين معكوفين من المناقب ٢/ ٧٨.