للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما اشتد الإرجافُ بعزل ابن الفرات، بعث رسالةً إلى المقتدر يقول: يا أمير المؤمنين، أنت تعلم أنَّني عاديتُ في استيفاء حقوقك الكبيرَ والصغير، واستخرجتُ لك الأموال من الدنيِّ والشريف، وبلغتُ غايةَ ما أمكنني في طاعتك، فلا تقبل فيَّ مَن يريد إبعادي عن خدمتك، ويغريك بما لا فائدةَ لك فيه، ويحملُك على ما تُذَمُّ عواقبُه، وبعدُ، فطالعي وطالعُك واحد، وليس يَلحقُني شيءٌ إلا لَحِقَك مثلُه، فلا تَلتفت إلى ما يُقال لك، وقد علمَت الخاصَّةُ والعامةُ أني أطلقتُ للرجال النَّافذين إلى مكة ما لم يُطلقه أحد مِمَّن تقدَّمني، واخترتُ رؤساءَ القواد وشجعانَ الرجال، وأزحتُ العلَّة في كل ما التُمِس منِّي، فحدَث من قضاء الله تعالى على الحاجِّ ما قد حدث في أيام المكتفي مثلُه فما أَنْكرَه على وزيره، ولا أكبر به جرره، ولا أفسدَ عليه وزارَتَه.

وأتبع هذه الرسالة ما شاكَلَها. ثم بعد أيام بعث المقتدر فقبض عليه وأخرجَه إلى طيَّار فيه مؤنس، فرفَعَه مؤنس، وخاطبه بخطابٍ جميل وعاتبه، فتذلَّل له وخاطبه بالأستاذ، فقال مؤنس: الساعةَ تُخاطبني بالأستاذ وبالأمس تُخرجني على سبيل النَّفْي إلى الرقة والمطرُ على رأسي، وتذكر لمولانا أميرِ المؤمنين أنَّني أسعى في فساد دولته.

ثم انحدر به إلى دار السلطان، ومعه أولادُه وكتَابُه، والمُحسّن قد استتر، ورَجَمت العامةُ طيار مؤنس، وكثُر ضجيجُهم على ابن الفرات، ويقولون: قد قُبِضَ على القِرمطيِّ الكبير وبقي القرمطيُّ الصغير، واعتُقِل وأولادُه في دار الخليفة، وسلمهم نصرًا الحاجب، فكانت مدَّة وزارته الثالثة عشرة أشهر وثمانية عشر يومًا.

ولمَّا كان يوم الخميس لتسعٍ خلَون من ربيع الأول (١) استوزَر المقتدرُ عبد الله بن محمد الخاقاني، وخَلَع عليه، وشافَهَه بالوزارة، وركب إلى داره ومعه مؤنسٌ الخادم، وهارون بن غريب الخال، ونصر الحاجب والأعيانُ.

ذكر ما جرى على ابن الفرات:

لمَّا حُبس في دار الخلافة شَغَبت العامة وقالوا: لا نرضى إلا أن يُخرج منها، ويُسلم إلى شَفيع اللؤلؤي، فقبض عليه شفيع، وحمله إلى داره.


(١) من قوله: وبلغ المقتدر الخبر فضعف أمر ابن الفرات … إلى هنا ليس في (ف م ١).