للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتوَكُّد (١) السبب مقام اللحمة من النَّسَب، ولن أدع مُحافظتَها ومراعاة جانبها بمشيئة الله تعالى، وقد قَلَّدتُك دَسْتُمِيسان لسنة ثمان وتسعين ومئتين، وأمرتُ لك بعشرة آلاف دينار تُحمَل إليك من مالي، ويُردُّ جميعُ ما أخذ منك، فتقفد هذه الأعمال، وأَثر بها آثارًا جميلةً تُبيّن حسنَ كفايتك، وتؤدِّي إليَّ ما أحبُّه من زيادتك، والسلام.

وزوَّر رجلٌ كتابًا عن ابنِ الفرات إلى ابن زنبور عاملِ مصرَ ليُولِّيه مكانةً، فلما وقف عليه ابن زنبور أنزل الرجل، وأكرمَه، وأعطاه جائزةً يَسيرةً، ووعده، ثم أنكر ابن زنبور الكتاب، واستراب بالخطاب، وقال للرجل: سوف أنظر في أمرك.

ثم أرسل الكتابَ إلى ابن الفرات، فقرأه وقال لأصحابه: ماذا تَرَون؟ فقال بعضهم: تُقطع يده لتزويره على الوزير، وقال بعضهم: يُقطع إبهامُه، وقال بعضهم: يُضرب ويُحبس، وقال بعضهم: يُكشَف أمره لابن زنبور ليَطْرُدَه، فقال لهم ابن الفرات: بئس ما قلتم، وما أبعدَ طباعَكم من فعل الجميل، رجلٌ توسل بنا، وتحمل المشاق إلى مصر يُريد جاهَنا، ولعله ما وصل إلينا، فخفَّف عنا بأن طلب جهةً أخرى؛ يكون حظُّه منا الخيبةَ؟! وكان في الكتاب عن لسان الوزير: أن للرجل حُرْمةً وَكيدةً عند الوزير، وسابقَ خدمةٍ قديمة.

فكتب ابنُ الفرات على الكتاب المزوَّر: هذا كتابي، ولا أعلمُ السببَ الذي أنكرتَه واستربْتَ به ما هو، وحرمةُ صاحبه عندي وكيدةْ، وسببُه أقوى ما يكون، فأجزِلْ عطيتَه، وتابع بره، وزِدْ في الإحسان إليه.

فلما وقفَ على الكتاب فعل ما أمره الوزير، فلما كان بعد مدةٍ طويلة دخل على ابن الفرات رجل جميل الهيئة، فأخذ يدعو لابن الفرات، ويبكي ويُقبل الأرض، وابن الفرات لا يعرفه ويقول: بارك الله عليك، ما لك؟ فقال: أنا صاحبُ الكتاب الذي زورتُه على الوزير إلى ابن زنبور، فضحك ابنُ الفرات وقال: فبكم وَصَلك؟ فقال: صَرفني ووَصَلَني عشرون ألف دينار، فقال: الزَمْنا ننفعْك بأضعافها، واستخدَمَه فأكسبه مالًا عظيمًا (٢).


(١) في (خ): تكون توكيد، والمثبت من تحفة الأمراء ٨٠.
(٢) انظر تحفة الأمراء ٨٧، والمنتظم ١٣/ ٢٤٢، ووفيات الأعيان ٣/ ٤٢٨.