للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج ابن أبي الساج رأسَه من الخيمة لينظر حديث الوقعة، فوقع [إلى] القرمطي أنَّه أراد الهرب، فدعاه إلى حضرته وقال: أردتَ أن تهرب، وزعمتَ أنَّ غلمانك يُخلِّصونك، وأمر به فضُربت عنقُه، وقتل جماعةً من أصحابه، وعمل أطوافًا من القصب والخشب وكان يعبر عليها.

وكان علي بن عيسى قد أقام من باب الأنبار إلى زبارا مقدار فرسخين مئة رجل، مع كل واحدٍ طَيْر يكتبون على أجنحتها خبرَ العدوِّ في كل ساعة، وهرب معظم أهل الجانب الغربي إلى الشرقي، ومضى بعضهم إلى حُلْوان [والبَنْدنيجَين، ولم يشكُّوا أن القرمطي يملك بغداد].

وسار القرمطي إلى هِيت، ورحل (١) مؤنس بالعساكر إلى الأنبار، وقدَّم مؤنس هارون بن غَريب وسعيد بن حَمْدان إلى هِيت برجالهما، فسبقا القرمطيَّ، وصَعِدا على سورها، وقَويت قلوبُ أهلها، ونصب (٢) أهلُ هيت المناجيقَ على الأسوار والعَرَّادات، وعمل القرمطيُّ سلالم، وزَحَف إليها فلم يقدر على نَقْبها، وقتلوا من أصحابه جماعةً، فرحل عنها.

وتصدَّق المقتدر بمال عظيم [لما رحل أبو طاهر من زبارا والأنبار وهيت، فكان] مبلغُه مئتي أَلْف درهم، وتصدَّقَت أمُّه بمئة أَلْف درهم، وعلي بن عيسى بخمسين أَلْف درهم.

وورد كتاب مؤنس يُحصي الذين اجتمعوا في عسكر السلطان بزبارا [فكانوا] نيفًا وأربعين ألفًا سوى الغلمان والأتباع.

ولمَّا وصل الخبر بقتل ابن أبي الساج دخل علي بن عيسى على المقتدر وقال [له:] يَا أمير المُؤْمنين، إنَّما جمع الخلفاء [المتقدِّمون] الأموال ليَقْمعوا بها أعداءَ الدِّين والخوارجَ، ويَحفظوا بها [الإسلام و] المسلمين، ولم يلحق المسلمين منذ قُبض رسول الله ﷺ شيءٌ أعظم من هذا الكافر؛ لأنَّه قد أوقع بالحاجِّ، وجرى عليهم منه


(١) في (ف م ١): وعجل.
(٢) في (ف م ١): قلوب أهلها، وعقد مؤنس على الفرات جسر الأنبار، ونصب.