للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الصولي: لمَّا كان يوم الأربعاء لثلاثٍ بقين من شوال ركب المقتدر وعليه قَباءٌ فضِّي وعمامة سوداء، وعلى كتفَيه البُرْدَة، وبيده القَضيب، وحوله أصحابُه، والمصاحف بأيديهم منشورة، وكان وزيرُه الفضل بن جعفر قد أخذ له طالعَ الوقت، فقال له المقتدر عند رُكوبه: أيُّ وقتٍ هو؟ قال: وقت الزَّوال، فتطيَّر وهمَّ بالرُّجوع، فأشْرَفَت خيلُ مؤنس وبليق في أوائلها، ونَشِبت الحرب، وتفرَّق عن المقتدر أصحابُه، وقتله البَرْبري على ما ذكرنا. وقيل: إنَّ الذي قتله غلامٌ لبليق. [وهذا هو المشهور في قتل المقتدر.

وقد] حكى أبو القاسم السِّمْناني في قَتْله (١) [وجهًا آخر] فقال: كان المقتدر قد حَبَس محمدً القاهر، وكان له نديمٌ يلعب معه بالشِّطْرَنج، فلعب معه يومًا، فتوجَّه الغَلَبُ على القاهر، شاه مات، فرمى بالقطعة من يده وبكى، فقال له النَّديم: مالك؟! فقال: لا أنا حيٌّ ولا ميت، يا ليته قتلني وأراحني أو أطْلَقني، والله ما أخرج عليه أبدًا.

ودخلت جاريةٌ من دار القاهر تَفْتَقد أحواله (٢)، فرأتْه يبكي، فخرجت وهي باكيةٌ، فلَقيها بعضُ الجُند يقال له: البَرْبري، فسألها عن حالها فأخبرته، فقال [لها]: ارجعي إليه وقولي له: غدًا ضَحْوة تنقضي الحاجة، فرَجَعت إليه وأخبرَتْه، فعاد إلى اللعب [بالشطرنج] وقال: إن غلبتُ صاحبي زال المقطوع، فتوجَّه له الغَلب [على صاحبه].

واتَّفق خروجُ المقتدر من الغد إلى الشمَّاسية، وركب البربري معه، وأظهر على ظَهْر الفَرَس صناعاتٍ من الشجاعة واللَّعب بالسيف والرُّمْح، وعَجِب الناسُ منه، ثم حمل على المقتدر فضربه بحَرْبةٍ أخرجها من ظهره، وصاح الناس عليه، وساق [البربري] نحو دار الخلافة (٣)، ليُخرجَ القاهرَ، فصادَفَه حِمْلُ شَوك وهو من فزعِه لا يلتفتُ [يمينًا ولا شمالًا] وهناك قصَّاب، والقِنَّارة (٤) معلّقة يريد أن يعلِّقَ فيها اللَّحْمَ، فزَحَمَه


(١) في (ف): قتلته، وما بين معكوفين منها ومن (م ١).
(٢) في (ف م ١): أخباره، والمثبت من (خ).
(٣) في (خ): الخليفة، والمثبت من (ف م ١).
(٤) خشبة يعلق القصاب عليها اللحم، ويصح أن تطلق على ما يسميه العامة "سيبة"، أخذوها من الفارسية لأنها ثلاث خشبات متصلة الرؤوس منفرجة من طرفها الآخر. معجم متن اللغة.