للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحمل عنه الناس علمًا كثيرًا من الحديث والفقه، وصنَّف مُسندًا كبيرًا، ولم ير الناسُ ببغداد أحسنَ من مَجلسه؛ كان يجلس للحديث وعن يمينه أبو القاسم بن مَنيع، وهو قريبٌ من أبيه في السنِّ والسَّنَد، وعن يساره ابنُ صاعد، وأبو بكر النَّيسابوري بين يديه، وسائر الحُفَّاظ حول سريره، وما عَثَروا عليه بخطأ قطُّ، لا في روايته للحديث، ولا في أحكامه.

وتقدَّم إليه ابنُ النَّديم وابنُ المُنَجِّم في شيءٍ كان بينهما، فقال ابن المنجم: إنَّ هذا يَدِلُّ بخاصَّةٍ له عند القاضي، فقال: ما أُنكِرُها، وإنَّها لنافِعَةٌ له عندي، غير ضارَّةٍ لك، إن كان الحقُّ له كفيناه مؤونة اجتدائه (١)، وإن كان لك سلَّمناه إليك من غير استذلال له.

وحضر عنده يومًا ثوبٌ يَمانيّ قيمتُه خمسون دينارًا، وعنده جماعةٌ من أصحابه وشهودِه الذين يأنَسُ بهم، فاستحسنوه، فقال: عليَّ بالقَلانِسيّ، ففَصَّله قَلانِس على عددهم وقال: لو استَحْسَنَه واحدٌ منكم لوَهَبْتُه له، فلمَّا اشتركتم في استحسانه وَجَب قِسمتُه بينكم، وهو لا يقوم بمَلابسكم، فجعلتُه قَلانِس لكم.

قال الخطيب: توفي ببغداد في رمضان، ودُفن بداره وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنةً.

ورؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أدركَتْني دعوةُ العبد الصالح إبراهيم الحَرْبي، وكانا قد اجتمعا في مكان، فقال القاضي لغلامه: ارفع نَعْلَي إبراهيم في مِنديلك، ففعل، فلمَّا قام الحَرْبي قال القاضي لغلامه: قَدِّم نَعْلَيه، فأخرجهما من المِنديل، فقال إبراهيم للقاضي: رفع الله قَدْرَك في الدنيا والآخرة.

أسند عن محمَّد بن الوليد، ومحمد بن إسحاق الصَّاغاني، وعثمان بن هشام بن دَلْهم وغيرهم، وروى عنه الدارقطني، ويوسف بن عُمر، وأبو القاسم بن حَبابَة وآخرون.

أبو عَمرو الدِّمشقيّ

أحدُ مشايخ الصُّوفية (٢).


(١) في تاريخ بغداد ٤/ ٦٣٨: مؤنة اجتذابه.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ٣٤٦، طبقات الصوفية ٢٧٧، مناقب الأبرار ١/ ٥٠٦، تاريخ الإِسلام ٧/ ٣٧٩.