للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَغْل بإكافٍ (١)، فحُبِس في دار الخليفة وضُرِب ضَرْبًا مُبَرِّحًا، فأقرَّ بعشرة آلاف دينار، وكان الحسين بن القاسم أخو محمَّد الوزير مُستترًا، فانحدر، فاحتال أخوه الوزيرُ وكتب له أمانًا وحلَف له، فلمَّا ظهر نفاه إلى الرَّقة.

ذكر مقتل مؤنس وأصحابه:

ولمَّا حُبس مؤنس اضطرب رجالُه وشَغبوا، وشَغَب معهم سائر الجيش الذي بالحَضْرة، وقصد دارَ الوزير محمَّد بن القاسم، وأحرقوا رَوْشَنَه (٢)، ونادَوا باسم مؤنس، وذلك في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان، فدخل القاهر إلى المَوضع الذي فيه مؤنس وبليق وابنه مُعْتَقَلين، فذُبح علي بن بليق وأبوه والقاهر قائم، ورُمي برأسهما إلى مؤنس، فلعن قاتلَهما، فأمر به القاهر فجُرَّ برجله إلى البالوعة وذُبِح كما تُذبح الشاة والقاهر يراه، ثم أُخرجَت الرؤوس إلى الناس، وطِيفَ بها في جانبَي بغداد، ورُدَّت إلى خزانة الرؤوس، ولمَّا أُخرج رأس مؤنس قُوِّر وفُرِّغ منه دِماغُه، فكان فيه ستة أرطالٍ.

وقتل القاهر يُمنًا الأعور في ذلك اليوم، ورمى أحمد بن زيرك إلى بِرْكة السِّباع، فلمَّا أكلت بعض لحمه أمر أن يُخرَج منها وهو حيّ، وقُطعت يداه ورجلاه، ثم ذُبح.

وأطلق للجند أرزاقَهم فسكتوا، واستقامت الأمور للقاهر، وعظُمَت هيبتُه، وتَلَقَّب بالقاهر المنتقم من أعداء دين الله، وضرب ذلك على الدَّراهم والدنانير وآلات الحرب، وأمر ألا يركبَ أحدٌ في طَيَّار سوى الوزير، والحاجب، والقاضي، وعيسى المُتَطبِّب.

قال الصوفي: حدثني الرَّاضي بالله وهو خليفة قال: كنتُ مُعْتَقَلًا عند المَقهور -يعني القاهر- فبعث إليَّ برأس مؤنس وبليق وابنه علي كالمُتَهدِّد لي، وكان قد أخذ أبا أحمد بن المُكتفي، فأقدمه في باب وسدَّ عليه، وأراد أن يُعلمني أنِّي عنده مثلُهم، فقلتُ


(١) الإكاف: البَرْذَعة، وهي للحمير والبغال كالسرج للفرس.
(٢) الروشن: الشرفة.