للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ثابت: وحدثني خادمٌ من خدم القاهر أنَّه أمر أن يُرمى في بئر في دار الخلافة، فأُرمي فيها على رأسه وهو حيٌّ مُقيَّد، ثم أمر بإحضار أبي السَّرايا، فألقاه على جهة رأسه في تلك البئر، وما زال أبو السَّرايا يَتضرَّع إليه ويسأله العفو، فلم يلتفت إليه، فتعلَّق بسَعَفَةٍ في نَخْلة كانت بالقرب من البئر، فأمر بضرب يده، فقُطعت، ووقع في البئر، وأمر بطَمِّها.

قال الخادم: فطَرحنا فيها التُّراب إلى أن امتلأت والقاهر واقفٌ، فلمَّا كان من الغد جاء فوقف على رأس البئر، وأمر بإخراجهما، فرَفَعْنا التراب وأخرجناهما ميِّتين، فأمر بإعادتهما في البئر والطَّمِّ عليهما، ففعلنا، وكان ذنبهما أنَّهما زايدا القاهر قبل خلافته في جاريتين واشترياهما، فحقد عليهما.

قال ثابت: سبحان الله، ما أعجب أمر المقادير، أراد مؤنسٌ بالخلافة أبا العباس بن المقتدر، فما زال إسحاق به يعني [حتى] عدل إلى القاهر، وهو لا يعلم أنَّه قاتلُه، وأنَّه يسعى في حتف نفسه؛ ليتمَّ الأمرُ المَقدور.

ومات مؤنس الوَرْقاني الذي حجَّ بالناس.

ذكر استيحاش الحُجَرية والسَّاجِيَّة من القاهر:

قال ثابت: كان أبو علي بن مُقْلَة في استتاره من القاهر يُراسل السَّاجِيّةَ والحُجَريّةَ، ويُضْرِيْهم على القاهر، ويُوحِشُهم منه، وكذا الحسن بن هارون كاتب بليق، وكان الحسن يخرج بالليل في زِيِّ المُكَدِّيين ومعه زِنْبِيل (١)، وتارة في زِيِّ النساء، إلى أن جمع كلمتَهم على الفَتْك بالقاهر، وكان يقول لهم: قد بنى لكم المَطاميرَ ليَحْبسكم فيها.

واحتال الحسن من جهة مُنجِّم لسيما المناخلي، وكان سيما شديدَ الثِّقة به والقَبول منه، فكان يُلقِّن المُنجِّمَ بما يقوله لسيما ويقول: خَوِّفه من القاهر، وأعطى المنجمَ دنانيرَ كثيرة، فكان المنجم يقول لسيما: إنَّه يقبض عليك في الوقت الفلاني.


(١) في زي السؤَّال والشحاذين ومعه القُفَّة.