للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا كان يوم الاثنين لأربعٍ بقين من ربيع الآخر وقع بين الغِلمان الحُجَرية والسَّاجيَّة خلاف: بلغ الساجية أنَّ القاهر يريد أن يقتل سيما المناخلي -وهو رئيس قُوَّاد [الساجية] (١) - فخرج سيما إلى داره، واجتمع إليه الساجية، وتحالفوا وتعاقدوا على الفَتْك بالقاهر، واجتمعوا إلى دار السلطان وقالوا: قد بلغَنا أنَّ القاهر قد بنى لنا مطامير ليَحتَبِسَنا فيها، فدخل سَلامَة الطُّولوني الحاجبُ فأخبر القاهر، فحلف بالله أنَّه ما فعل ذلك، وإنَّما هذه حَمَّامات رومية للحرم، وحضر الوزير الخَصيبي وعيسى المُتطَبِّب عند القاهر، فقال القاهر لسلامة: اخرُج إليهم واحلِفْ لهم على بُطلان ما بلغهم، فحلف لهم فسكتوا في ذلك اليوم، ثم غَدَوا على حالهم إلى دار القاهر، فقال الخَصيبي لعيسى: ادخل إليه وعرِّفه الخبر ليحترز، فجاء عيسى فوجده نائمًا سَكران، وكان قد شرب إلى أن طلعت الشمس، فاجتهد أن يُنبِّهه فلم ينتبه لشدَّة سُكره.

وكانت الحجرية والساجية قد اجتمعوا على سيما وأنَّه رأس الجميع، فقال لهم: إن كنتم عَزمتُم على شيءٍ فقوموا الساعةَ حتى نُمضي الأمر، فقالوا: نصير إلى غدٍ فإنَّه يوم مَوكب يجلس للسَّلام فنقبضه، فقال: إن تفرَّقتُم الساعةَ اتَّصل به الخبر فأهلكنا كلَّنا، فصَوَّبوا رأيَه، ورجعوا إلى دار السُّلطان، ووكَّلوا الرجال بأبوابها، وهرب الوزير الخَصيبي في زِيِّ امرأةٍ وخرج من الدار، ودخلوا على القاهر فأفاقَ من سُكره، وهرب إلى سطح حمَّامٍ في دار الحرم فاستتر فيه.

ودخلوا مَجلسَ القاهر وفيه عيسى المتطبب وزَيرك الخادم واختيار القَهْرَمانة، فسألوهم عنه فقالوا: ما نعرف له خبرًا، فوُكِّل بهم، ووقع في أيديهم خادمٌ له، فضربوه ضربًا مُبَرِّحًا، فدلَّهم عليه، فجاؤوا وإذا به على سطح الحمَّام، وبيده سيفٌ مسلول، فقالوا: انزل فامتنع، فقالوا: نحن عَبيدُك فلمَ تستوحش منَّا؟ فلم ينزل، ففَوَّق واحدٌ منهم سهمًا وقال: انزل وإلا قتلتُك، فنزل إليهم، فقبضوا عليه، وذلك ضَحوةَ نهار يوم الأربعاء لستٍّ خلون من جمادى الآخرة، وحملوه إلى الحبس الذي فيه طريف السبكري، فكسروا القفلَ وأخرجوه وكسروا قيدَه، وحبسوا القاهر مكانَه، ووكَّلوا بالباب جماعةً.


(١) ما بين معكوفين من الكامل ٨/ ٢٧٩، ومكانها في (خ) بياض، وليست في (ف م ١) لاختصار نشير إليه قريبًا.